في يوم من الأيّام، تجهّز همسة للقيام بعمل من أعماله، قضى وقتًا مناسبًا في تخطيط وقت المهمّة، وعرف أهمّيتها وفائدتها عليه على المدى الطويل، حتّى أنّه قام بكل النصائح التي تُعاد في كل موضوع تركيز، أبعدَ المُشتّتات، وما إن حانت لحظة العمل، تركه متهربًا عند أوّل عائق.
هناك تبريرات جاهزة يقدّمها العقل، هذه المهمّة صعبة، أو اليوم لست في مزاج جيِّد، أو أمامنا وقت طويل، لكنِّي لا أرضى بهذه التبريرات، وأحاول دائما أن أغوص عميقًا في نفسي، وأستخرج القطعة المفقودة. والقطعة المفقودة هذه المرّة هي الطاقة.
عندما تنام جيدًا، ولا تتناول كميِّات مُفرطة من الطعام، فالطاقة متوفّرة عندك في معظم أوقات اليوم، لكنّ المشكلة في استدعائها في تلك اللحظة المهمة، الفكرة ببساطة أنّك تخوض يومك معتمدًا على قوَّتك الذهنية فقط، تعرف أن إنجاز هذه المهمّة ستعود عليك بفائدة كبيرة، لكنّك تُهملها، لأنّ الطاقة في تلك اللحظة، لا تُوافق سُمو الفكرة المنطقية.
وحتّى ترفع الطاقة، لا تحتاج إلى نصيحة، الأمر بدائي، هل شاهدت رافع الأثقال يومًا؟ أتذكّر مشاهد من الأولمبياد، يكون مع هذا الرافع شخص بجانبه، يحفِّزه، يصرخ في وجهه بكلمات تفجّر طاقته، حتّى تنتقل العدوى لرافع الأثقال نفسه، فيصرخ مع نفسه، يتنفس بعمق على مرات متتالية، ثم يذهب إلى هناك ويرفع تلك الأثقال، لم يستغرق رفع طاقته إلّا ثواني معدودة.
تستطيع أن تكون مُدرِّب رافع الأثقال لنفسك، تستطيع تتنفس عدّة مرّات بسرعة، تشدُّ عضلاتك، تصرخ صرخات غير مفهومة (إذا كُنتَ وحدك، يا غريب الأطوار!) أو حتّى تغمض عينيك إذا كنت في مكان عام، وثمَّ تفتحها بشكل واسع مع فكٍّ مفتوح، كما يفعل نوفاك جوكوفيتش عندما يتجهّز لاستقبال الإرسال، أو كما تفعل فتاة تضع الكُحل.
أتذكَّر أنّي أفعل هذا مع المحاضرات، عندما أنتقل من محاضرة إلى محاضرة ثانية في وقت متقارب، لو لم أفعل حركة فتاة الكحل مع كلمة (يلا إيه) مع نفسي، لضيعت أوّل ربع ساعة من المحاضرة أخامرُ داء المحاضرة المُنصرمة.
المشكلة في تطبيق هذا في غير وقت المحاضرات، عندما أكون مع نفسي في البيت، تبريري يكون عادة، إذا لم أكن جاهزًا متحفّزًا لفعل الشيء، فلن أفعله. لأنّي أبذلُ جهدًا جيدًا على مستوى التحفيز والتخطيط، فلا يُعقل أن أفشل! لكن ما أن صدّتني مقاومة ما عن بداية العمل، تركته وأنسحبت، بعد أن عرفتُ أنّ ما ينقصني هي حركة كحل ويلا إيه، أنشأت نُسخة أكثر جنونًا، لأنّي في بيتي!
الفكرة هي أنَّك تحتاج لأن ترفع مستوى طاقتك في لحظات مهمّة في اليوم، عندما تكون على أعتاب مهمّة جديدة، جسمك فيه أدرينالين وكورتيزول مخصّص لهذه الحالات، فلماذا تستهلكه في القلق ولا تستخدمه في هذه الفائدة؟ ولأنَّ البدايات أصعب ما في الأشياء، فلستَ مُطالبًا بإبقاء طاقتك مرتفعة على طول المهمّة، إذ أنَّ البقاء على مثل هذه الطاقة عالية أمر مُنهك. اشحذ الطاقة في الوقت المناسب لتقطع العائق الذي أمامك، ثم استغرق في فترة انغماس مسترخية في المهمّة.
على ذكر القلق، هذه الطريقة التي ترفع بها طاقتك في لحظة محسوبة للتغلّب على أمر ما، مفيد على المستوى العاطفي أيضًا، حينما يُنازعك شيء، قد يدفعك من موقف تكون فيه متزنًا، إلى آخر تكون فيه نهبًا لهذه المشاعر، ربما تستخدمه لتضبط أعصابك عن ردٍّ أحمق، أو فعلة مؤذية، أو حتّى لحظات تحثّك على الانغماس في ملذات وخيمة العواقب.
وأخيرًا، تذكَّر أنَّ شحذ الطاقة، مفيد إذا أتممتَ العمل الذهني الذي يسبقُ المهمة، فالعمل الذهني يشبه بناء دائرة كهربائية، والطاقة التي تشحذها، تشبه التيّار الذي يسري في هذه الدائرة. تيار بلا دائرة يروحُ هدرًا، ودائرة بلا تيّار، دائرة لا تُنير.