المكانة الزائفة
قلتُ أنّ حساب المكانة، مهم لحياة رجل الكهوف والقبائل، خصوصًا عندما يغيب العقل عن تهدئة الصراعات، لكنّا قد نٌخدع بمكانة من نوع آخر، وهي مكانة لا تفيد حتّى في الكهوف والصحاري، ولو تكلّمنا على المكانة الزائفة، فنعرّفها أنّها تلك المكانة التي لا تخدمك جيدًا، لكنّها تُلبي رغباتك على المدى القصير، تمامًا كما تفعل الوجبات السريعة، والشرط الثاني لهذه المكانة، حتّى نٌفرّقها عن الهمبرغر، هي أنّها تُشتّتك عن أخطار قريبة المدى.
من أكثر الأمثلة انطباقًا على هذه المكانة الزائفة في وقتنا الحالي، الهوس بالشهرة على مواقع التواصل، ألعاب الفيديو، ولم لا، المرئيات الجنسية.
وقد تكلّمت مُوسعًا في هذا المقال عن مواقع التواصل، وتحدّثت عن الطرق التي تستغلّ فيها تلك الشركات رغبة المكانة في داخلنا، وفي مثال ألعاب الفيديو، أنت تقضي وقتك محاولًا تطوير شخصيتك في اللعبة، وزيادة نقاطها، ممّا يُعطيك إحساسًا وقتيًا بالرضا عن المكانة، لكنّه رضى لا يتعدّى حدود البرنامج.
أما في مثال المرئيات الجنسية، فأنت مُحاط بكل هذه النسوة، وهن طوع إرادتك، فتظل تهدج إليها من بعيدٍ، فيشعر عقلك أنّه يحقق مكانة هو مخلوق لأجلها، مكانة الفحل الذي لا يُردُّ له طَلب، ولستَ تفعل هذا إلّا أمام شاشة، وهذه الأوهام لا تلبث إلّا أن تنتهي بعد هُنيّة، فتعود للواقع المؤلم الذي يدفعك للعودة إلى ذلك العالم الخيالي مرّة أخرى.
السيء في أمر هذه المكانة الزائفة، ليس في هذا فقط، بل بربط عقلك لها بالهروب من الواقع، والهروب من المسؤوليات، فأنت عندما تشعرُ بضغط ما، قلق أو ملل، وهذا ينتج من الاحساس الذي يُخبرك أنّك خسرت مكانة ما، ستهرب من محاولة معالجة هذا الشعور، بجلسات طويلة على هذه المواد، ويرتبط هذا في عقلك كدواء لهذه الأحاسيس، ففي المرّة القادمة، بدلًا من أن يُشعرك دماغك بهذه الأحاسيس السلبية، سيُغريك باستهلاك هذه المواد، فتفوّت فرصة معالجة المشاكل، مما يزيدها سوءا، ممّا يجعلك في دوّامة لا تنتهي من الاستهلاك. وقد تتحجّج أنّك خٌلقت لهذه الألعاب، أو أنّك شاب بُلي بالرغبات، وهذا ليس إلّا أنّك سوّفت معالجة السلبيات، حتى رُمِستَ تحت التراب.
خلِّني أستفيض أكثر في هذا المثال، لأنّي أتحسّس أنّ هذه أعظم عقبة تواجه رجال عصرنا الحديث، لأنّهم غُرّروا بمحفّز لم يواجه جيل سابق في التاريخ. فقد بيّنت أنَّ انخفاض المكانة يُولّد شعورًا بالقلق، عدم استغلال هذا القلق في التصرّف ومعالجة هذا الانخفاض بطريقة صحيحة، قد يدفع إلى حلِّ سهل مثل المرئيات الجنسية، ففيها تشعر الأجزاء العاطفية أنّها حققت أعلى مكانة يُمكن أن يصل إليها بشر، فحريمك أيها السلطان، في هذا الخيال، رهنك وطوعك، وإذا صادف وأن مَررتَ بفتاة جميلة يومًا في شارع، ومرّت هكذا من دون أن تُلقي نظرة عليك حتّى، ستشعر بشرخ في هذه المكانة، حتّى لو لم تشعر بذلك واعيًا، سيبقى يُزعجك شيء في هذا الموقف، فالسلطان لم يعد سلطانًا، وهذا يدفع تلك الأجزاء العاطفية – من دون أن تعي ذلك- إلى اشتهاء العودة إلى ذلك العالم الخيالي، حيثُ الزعيم، يعودُ مُملكًا!
وليس من عادتي أن أفتحُ مشكلة ولا أعرضُ الحل، لكنّ الحل هنا طويل، ويخرجُ ويشتُّ عن العنوان الذي أردت، وهو يتمثّل بالحديث الصادق مع النفس، لعلّنا نكتب في هذه الموضوعات مستقبلًا، والإشارة لخطر شيء، تكفي حرًا لبيبًا ليحاول هو، ويذلل العقبات في طريق، إلى طريق يسيرُ فيه.
إذا اقتنعتَ بالمشكلة الأخيرة وخطرها، وأكملت مقالي حتّى النهاية، فقلبي أطيب من أن أتركك تحاول وحدك، هذا رابط أشرحُ فيه تفصيلًا كيف يُمكن أن تتحدّث بصدق مع نفسك، حتّى تُبعدها عن المكانة الزائفة، وتقودها إلى مكانة أقوم وأصلح. والذي كتبته فصل من مسودّة من مشروع أعدّه للإطلاق على أحد المنصّات الرقمية، فاستغله مادامَ مجانيًا!