Skip to content

د. حمزة سالم

قارئ، مدوّن ومهتم بالتجارة الالكترونية

Menu
  • الرئيسية
  • التجارة الالكترونية
  • طب
  • رواقية
  • كتب مفيدة
  • من أنا
Menu

رواقية الانفعال والغضب – حكمة ماركوس أوريليوس في الحرب الاهلية

Posted on 2020-06-132020-11-20 by Hamza Salim

أن تغضب هو أن تملك شعورًا بوجود خطأ ما، وتتولد لديك رغبة لإيذاء المسؤول عن هذا الفعل، لأنّك تعتقد أنّه انتهك قاعدة تمسّك، نصّبتها لك أحكامك. الغضب في الرواقية هو أمر غير صحي ولا عقلاني، لا يجب على المرء أن ينخرطَ فيه، قد يرادوه الغضب في لحظة ما، فالإنسان لا يستطيع منع المشاعر القسرية، لكنّ الرواقي يتقبّل هذا الشعور بحِسّ تجريدي ويعامله كشيء لا فارق. قد يُفضّل الرواقي أن يتعامل المقابل بسلوك أفضل، وقد يتصرّف بطريقة تمنع المقابل من الاستمرار بسلوكه، لأنّ نصيحة «لا تغضب» لا تعني بالضرورة أن تجلس مكتوف الأيدي، لكنّ الحكمة من هذا أن لا تجعل عقلك فريسة لتصرّفات شخص أخر، بل التحلّي بالهدوء سيعطيك خيارات أوسع للتعامل مع الموقف، لا مقارنة بين قرارات عقل هادئ متزّن، وأخر يتملّكه الغضب، أو كما أعتاد الرواقيون تسميته: الجنون المؤقت.

لذا نجد ان المنتمين لهذه الفلسفة، يستعملون عدّة طرق نفسية لتساعدهم على التغلّب على هذا الغضب الطبيعي، واستبداله بسلوك آخر، أكثر هدوءًا، لكنّه لا يقل تصميمًا وجدّية في التعامل مع الأحداث. كالعادة، تخيّل أثر تحلّيك بهذه العقلية الرواقية في آخر الطريق، أن تصله وأنت مُغضب فيكَ وفي قراراتك شيء من الخَبَل المؤقّت، أو أن تصله بقرارات وقورة رزنة، تُعطي كل ذي حقٍ حقّه!

سيدي الإمبراطور، الجنرال افيدوس كاسيوس خانك، لقد نصّبته القوات في مصر أمبراطورًا على المملكة الرومانية، أنّهم يخبرون الجميع أنّك قد مُتَّ.

في عهد حكم ماركوس أوريليوس، حاز أحد الجنرالات سُمعة مهيبة، ذلك يُدعى أفيدوس كاسيوس، عُرف كاسيوس بأصوله النبيلة و سمعته الوحشية، فقد كان يستخدم طُرقًا للتعذيب تُعتبر وحشية حتى بمقاييس الجيش الروماني آنذاك. كان فيه شيء من النَقم على أسلوب ماركوس في الحكم، فقد كان يَصفه بالفيلسوفة العجوز، لكنّ ماركوس يستفيد من الرجال ولا يجبرهم على التغيّر، كان كاسيوس مُجربًا لدى الأمبراطور في قدرته كقائد عسكري على النيل من الباريثيين في أرمينيا ومن ثم ملاحقتهم حتى ضفاف دجلة، وكان كاسيوس مجرّبا أيضًا في قمع العصيان، كذلك الذي نشأ مرّة في مصر، وبعد كل نجاح عسكري لهذا القائد الحازم، تشتهر سمعته ويرتقي في المناصب، فقد عُيّن مُحافظًا على مصر بمميزات تقترب من مميزات الامبراطور على الشرق حينما كان ماركوس يقاتل القبائل البربرية في الجبهة الشمالية، ومع مرض اوريليوس في الفترة بين 174-175، وصلت أشاعات أنّه قد مات، فكرة قد تبدو معقولة خصوصا مع جسم ماركوس الهزيل، وانتشار الطاعون في تلك الفترة، أستغل كاسيوس الفرصة، وشعر أنّ هذا هو وقته المناسب، فأبن ماركوس أوريليوس صبي له 13 سنة، نصّب كاسيوس نفسه من مكانه في الاسكندرية، أمبراطورًا على الأمبراطورية الرومانية.

ماركوس أوريليوس اتخّذ عدة قرارات، أولّها تطمين حلفاءه بأنّه بصحة جيّدة، وأخّر إعلام الجنود بما حدث، لأنّه لا يزال في معارك كر وفر مع القبائل البربرية، كان يُريد أن يعقد صفقة سلام قبل أن تعرف القبائل ما جرى، ومن ثمَّ أرسل الى قائده في تركيا، مارتيوس فيريوس، أن جهّز قواتك للانضمام الى الجيش الموالي للامبراطور للسير نحو مصر، حيث العاصي أفيدوس كاسيوس، تم أعلان الحرب الأهلية رسميًا.

 

وفي هذه الأثناء، كان ماركوس يُطبّق تأملّاته الرواقية التي تعلّمها في فترة غير قصيرة من حياته، تأمّلات لتروّض الغضب الذي قد ينتج من خيانة كهذه، وأخرى لتسيطر على الآلام المُزمنة التي تُصاحبه.

وقف ماركوس أمام جنوده يخاطبهم مرّة:

أن تغفر لمن أخطأ، أن تكونَ صديقًا لمن رمى بالصداقة تحت الأقدام، أن تبقى وفيًا لمن خان العهد، قد لا يبدو ما اقول لكم معقولًا، لكن لا يجب أن تشكّوا في ذلك، لأن الخير لم يهلك بين الرجال، وفينا شيء من بقايا الفضيلة القديمة. فإن أنكرَ أحدهم هذه الفضائل، فهذا لا يزيدني الا رغبة، حتى أُرِ الرجال بأعينهم ما لم يتوقعوا تحقّقه، هذا سيكون المكسب من هذه المحنة، أن أصلَ الى خاتمة نبيلة، وأُظهر للعالم أنه هناك طريقة صحيحة للتعامل حتّى مع الحرب الأهلية.

هاك مرادفًا آخرًا لخطاب أوريليوس، شيء يخصُّ تعاملاتك مع أخوتك، شيء أقرب لحياتك الواقعية:

احمل نفسك من أخيك عند صَرمِه على الصِلة، وعند صُدوده على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند جرمه على العذر، حتى كأنه ذو نعمة عليك. ولن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك، وخذ على عدوك بالفضل. وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما. -علي بن أبي طالب.

الرواقية والغضب

قد يعترضُ أحدهم، ويقول لك الغضب مفيد، بل أنت الذي لا تحبُّ الغضب لن تقوَ على مجابهة أعدائك، ستكون مائعًا لينًا عندما يُريدُ بك العدو سوءًا. أعتراضات مثل هذه قد ترتدي حُلّة علمية كما يدعو لها جوردان بيترسون في كتاباته، يصف جوردان نوع من الغضب المحمود الذي يحفظ حقوقك ويمنعك من تخيّل خيالات انتقامية، يبدو أن بيترسون وقع في فخ السودوساينس، ليس هناك شيء اسمه غضب محمود، لا علميًا ولا أخلاقيًا، وهذا ليس قول فقيرٍ مثلي، بل هو قول دونالد روبرتسون -الذي يُشاركه في خلفية علم النفس- في احد مقالاته ناقدًا لبيترسون، وكما أكّد لي عندما سألته على Zoom قبل فترة قليلة، جوردان بيترسون لا يعتمد على أي تجارب حديثة في علم النفس الأدراكي لتبرير أهميّة الغضب المحمود.

ويبدو أنّه خلطٌ بين الغضب والصرامة، والتسويق له كغضب يبدو أكثر إثارة للمتابعين كما يفعل جوردان بيترسون، أن تكون صارمًا يعني أن تحفظ حدودك وحقوقك من الإفتراس، وهذا محمود. تستطيع أن تكون صارمًا بشكل أخلاقي، ذكّر الآخرين في تعاملاتك معهم أنّهم يهضمون حقّك، أخبرهم بالخيارات التي قد تلجئ لها إن لم يَنتهوا، اجعل العواقب واضحة وإن كانت اخلاقية فنفّذها. هذا سيحفظ حقّك، من غير غضب، ففي الغضب نيّة لإيذاء الآخرين لا تتضمنها الصرامة، ويقول سينيكا، إنّك إذا لم تكن شجاعًا الا بوجود الغضب، وتحتاجه لتبعث فيك الحمية، أنت لستَ شجاعًا أصلًا.

وأخبرك بنقطة أهم، كم واحد منّا سيكون بموقف ماركوس أوريليوس؟ أمبراطورًا أو قائدًا للجيوش؟ من منّا سيحتك بالأعداء دائما؟ حقيقةً، أغلب تعاملاتك في هذه الحياة مع اخوتك في الدين والبشرية، أي فضيلة في أن تكون سُبعًا ضاريًا عليهم؟ الغضب لا يحل المشكلة بل يزيدها سوءا. يكفي أن تتحلّى بدماغ هادئ يعرف نوازع الأخرين، ومن ثمّ تعامل من يجاوز حدّه بصرامة، من دون ان تضمر له ضغينة، أو تنوي به شرًا.

للرواقيين طرق عديدة في السيطرة على الغضب، كثير من هذه الطرق تُعامل الغضب كما تُعامل الرغبة، لأنّك عرفتَ من المقدّمة أن الغضب رغبة في إيذاء مرتكب الخطأ، ولأنّي كتبتُ مقالًا مفصّلًا حول التعامل الرواقي مع الرغبة، فلن أُكرّر تفصيلًا، سأعيد بشكل مُقتضب لأن التكرار يزيدُ من فرص التطبيق، لكن إن أردتَ الأستزادة فأقرا مقال الرغبة والإدمان من الصفحة الرئيسية، لن أُشتّتك بوضع الرابط هنا. هذا سيفسح المجال لطرق جديدة تخصُّ الغضب تحديدًا، يذكرها ماركوس في رسالة مطوّلة في كتابه الحادي عشر.

طرق الغضب والرغبة.

تخيّل قصة قصيرة، صديقٌ لك أساء إليكَ لفظيًا في منشور، لم يواجهك وإنّما نشر هذه الإساءة للملأ، لأنّه يريد أن يحصل على بعض التعليقات المُساندة ليُبرّر فعلته لنفسه فيما بعد، تخيّل أيضًا أنّه أساء اليك من غير ذنبٍ منك، سوء فهم أو تجنّي، لا يهم. والآن، كيف ستتصرّف؟

كن واعيًا عندما تريد أن تبدأ: لاحظ نفسك عندما تبدأ بوادر الغضب بالظهور عليك، كأن يبدأ صوتك بالتغيّر، أو تزداد ضربات قلبك وتشتدُّ عضلاتك، لأنّك شعرتَ بالظلم وتُريد أن تُجازي هذا المسيء، كيف يفعل هذا بك؟ كن يقظًا من ذلك، ذكّر نفسك: حمزة، بدأ الغضب يظهر عليك، لا بأس، يأتي ويذهب. عامله كأنّه لا فارق.

زِن العواقب: ماذا تُريد أن تفعل؟ تُعاقب المُسيء بالإساءة؟ تردُّ عليه بإنفعال؟ أو حتّى تتظاهر بأنّك لست منزعجًا عندما تنشر منشورًا لأصدقاءك: أنا أتجاوز عن الإساءة ليس لأنّي غير قادر على ردّها ولكنّي أتجاهل الأغبياء المنحطيّن عديمي المروءة أمثالك!! أو شيء آخر أكثر رُقيًّا ولكنّه بنفس السُخف: أنا أحترم جدًا أولئك الذين يسيطرون على غضبهم رغم ما يُلاقون، إذا وصلتَ لهذه المرحلة مثلي، هنيئًا لك!

افصل المشاعر عن الأحداث: ذكّر نفسك أن ما قاله الشخص لم يُزعجك، إنمّا هو حكمك، فأطرِّحه. من يمنعك من هذا؟ لماذا يهمّك أن يُصدّق الناس ما قال إن كان مُخطئًا؟ من يتحلَّ بالإنصاف سيعرف الذي يتحامل عليك من أول نظرة.

افعل شيئا آخرًا: لا تقاوم الغضب، دعه يستقر ويهدأ من عنده، عد الى ما كُنتَ تفعل، سنُقرّر لاحقًا كيف سنتصرّف، قد ننشرُ شيئًا هادئًا يوضّح ما التبسَ عليه، أو تجاهَل فليس في العمر طُولٌ لهذه التبريرات.

تمثّل قدوة هادئة، شخص في حياتك يُعجبك هدوءه، أو تمثّل كيف سيتصرّف ماركوس أوريليوس نفسه مع هذه المواقف، يا ويلي، نسيناه في الجبهة الشمالية!

لنعد الى ماركوس، بقي الأمبراطور الحكيم على هدوءه الرزين المعهود، وتصميمه الجاد للسير لحرب جديدة بعيدة عن الديار، أحبّه الجنود وأعتبروه مقدسًا، لا أخفيك سرًا أنّي بحثتُ في أحتمالية كونه نبيًا من الصالحين عندما عرفته لأول مرّة، للأسف فهمت من السياق التاريخي أن طريقة إيمانه كانت -كما كان الشائع وقتها- بالآلهة المتعدّدة، لكنّه كان مُباركًا في نظر جنوده. أُشيع بين الجنود مرّة أن ماركوس بعد أن أكمل دعاءه، ضربت صاعقة معدّات الحصار التي استخدمتها القبائل الإيرانية (السارماتيوّن) في الجبهة الشمالية، ومرّة أخرى بعد شهر حُوصر فصيل من جيشه في منطقة مقطوعة المياه، يُقال أنّه بعد أن رفع يده الى السماء، هطل الماء من السماء، كالذي نزل على المسلمين في بدر عِندما قطعت قريش عنهم طريق الآبار.

تأمّلات ماركوس أوريليوس في الغضب

عرفت سابقًا الطرق التي تخصُّ الرغبة والغضب، الآن سنذكر الطرق التي تخصُّ الغضب تحديدًا، الطرق التي كانت على بال ماركوس خلال الحرب الأهلية، ويحسن التنويه هنا أنّك يجب أن تتدرّب على هذه الطرق في كل وقت، ليس عندما يحلُّ الغضب فقط. بالمناسبة، تطبيق هذه الطرق عندما تكون غاضبًا قد يؤدّي الى نتائج عكسية، لا فائدة من تحدّي نفسك عندما لا تكون مستعدًا لذلك، دع الغضب يهدأ، وطبّق هذه الخطوات بعد خبوت سَورَته.

1- خُلقنا للتعاون.

خُلق البشر من أجل بعضهم البعض. إذن علِّمْهم أو تحمَّلْهم. -ماركوس أوريليوس

الخطوة الاولى هي أن تتذكّر أننا كائنات اجتماعية خُلقنا لنساعد بعضنا، نُعين أنفسنا وغيرنا بالأعمال الصالحة، بل ونكران هذه الصلة بين البشر فعل مذموم، لكن هذا لا يعني أن تفترض أن الجميع سيتصرّف بنفس الطريقة، ولا أن تُعاملهم كأصدقاء مقرّبين، فقد تجد فيهم من يُريد بك شرًا، ماركوس كان يتدرّب صباحًا ويقول لنفسه: «اليوم سألقى من الناس من هو مُتطفلٌ ومن هو جاحدٌ ومن هو عاتٍ عنيف، وسأقابل الغادر والحسود ومن يُؤثِر نفسه على الناس» كان يعرف بوجود هؤلاء الناس، لكنّه لا يجد داعيًا للغضب، فإن وجدَت مُخطئًا، علّمه. أو على الأقل تحملّه، في هذا التحمّل فضيلة.

2- تخيّل مُغضبك في حياته

الخطوة التالية هي أن تتخيّل الشخص الذي أغضبك كاملًا، تخيّلهم في حياتهم اليومية، ما هي عاداتهم؟ يقول ماركوس نصًا أن تخيّلهم وهم يأكلون ويرقدون ويضاجعون، كيف يكونون عبيدًا لأهواءهم، الفكرة هنا أن نوسع منظورنا حول الشخص ودوافعه، لماذا يفعل هذا؟ عندما تنظر للصورة من أعلى، ستُخفف تركيز الغضب، وكلّما تعمّقت أكثر ستعرف أن الذي فعلوه لم يكن مقصودًا عليك فقط، إنّها نيران عشوائية ناتجة من أعتقاداتهم الخاطئة أو طمعهم في مادة، أو نيل أعجاب. بهذه النظرة كان أمبراطورنا الحكيم ينظر الى كاسيوس، كان يُعرّي روح كاسيوس أمامه.

إذا لامك شخصٌ آخرُ أو كرِهك، أو تحدَّث الناس عنك بما يسوء، فاقترب من نفوسهم المِسكينة وانفُذ إليها لترى أي صنفٍ من البشر هم. ولسوف تكتشف أنه ليس ثَمَّ ما يدعو إلى الابتئاس لرأيهم فيك، ولكن عليك أيضًا أن ترفق بهم؛ فهم رِفاقُك بالطبيعة. -ماركوس أوريليوس.

ولطرافة المصادفة، كُنت سابقًا أُخبر أصدقائي أن يتخيّلوا واضع الأسئلة في حياته اليومية عندما كُنّا نستعد لأمتحان مخيف، تخيّلوه في الحمّام وهو يعاني من الإمساك ويتصبّب عرقًا، هل عاد (ن) مُخيفًا الأن؟

3- لا أحد يُخطئ عامدًا

هذه الفكرة الرواقية مُقتبسة من سقراط، كان يؤمن بأن المخطئ يفعل هذا جاهلًا، ويظن فعلته هي الصواب، لدّي نوع من الصعوبة في تقبّل هذه الفكرة، لكن مآخذي عليها قد لا تمسُّ حياتك بالضرورة، والأمر فيه تفصيل، لكن تيّقن أنَّ معظم مُغضبيك في حياتك هذه هم بشر ظنّوا أن ما فعلوه هو الصواب، أو هو الأمر المقبول في سياقات الحادثة. أخبرني أحد الأصدقاء بعد أن قرأ المقالة نقطة مهمة، تطبيق هذا قد يفترض أنّك تعرف كل شيء، وأن الاخرين جُهّال. وهذا قد يغضُّ طرفك عن مشكلة قد تكون فيكَ من الأساس، انتبه لهذا أيضًا!

ماركوس استخدم هذه الطريقة مع انقلاب كاسيوس، فهو عندما وصلته الأخبار، أعذرَ لصديقه القديم، قال أنّه قد ظنَّ أنّي متُّ فعلًا، فأرسل إليه رسالة يُخبره بأنّه حي يُرزق. فيلسوف رواقي آخر وهو أبكتيتوس كان يُعلّم تلاميذه أن يتذكرّوا هذه العبارة دائما: «لقد فعل ما بَدا له صوابًا.»

إذا كان ما يفعلونه صوابًا، فبها ونِعمَت، وإذا كان خطأً فمن الواضح أنهم يفعلونه عن جهلٍ ومن غير قصد؛ فمثلما تكره النفس أن تُحرم من الحقيقة، كذلك تكره أن تُحرم من القدرة على أن تُعامِلَ كل شخصٍ كما يستحق؛ وبالتالي فإن الناس يَسوءُهم أن يُوصَفوا بالظلم أو الجحود أو الطمع. وباختصار؛ أن يُوصَفوا بأنهم يُسيئون لجيرانهم. – ماركوس أوريليوس

4-لا أحد كامل، حتّى أنت.

عندما تتذكر أن للمقابل عيوبًا، لن تضع وزنًا كبيرًا لأخطاءه في حقّك، بل حتّى مدحه لك لن يكون لذيذًا لهذه الدرجة. وهذا حالنا كلنّا، فعندما تغضب بسبب فعلة لأحدهم، ذكّر نفسك أنك قد تُذنب بحق الآخرين بنفس الطريقة، توقف قليلًا، تذكر المواقف السابقة التي فعلت فيها نفس الخطأ، ما هي التبريرات التي قلتها لنفسك حينها؟ وإذا لم تتذكّر ذنبًا، تذكّر أنّك قد لا تُذنب صلاحًا وتقوى منك، بل لأنّك تخاف العقوبة.

إذا شعرت بأن سوء الطالع اصابك، ليُذكرك هذا بأنّه ليس خيرًا أو شرًا بحد ذاته، إظهارك الفضيلة بالصبر وايجاد الحل هو الخير.

إذا اغضبك احدهم، ليُذكّرك هذا بإنّه بشر، وأنت كذلك، ليكن فعله تذكارا بأنّك تُخطئ بحق الناس بنفس الطرق.

أن تُركز على أفعالك. هذا ما يعني أن تكون رواقيًا.

— Hamza Salim (@7amnad) March 22, 2020

5- أنت جاهل بالنوايا

هل تعلم ما في القلوب؟ لا يجب أن تكون واثقًا من دوافع الآخرين إلّا بعد أن تعرف الكثير عنهم، يجب أن تملك حِسًّا جيدًا للحكم، الغضب في المقابل، يفترض أنّك تعرف النوايا مُسبقًا، بل أن هذه النقطة هي وَقود الغضب. ماركوس لم يكن واثقًا بما في قلب كاسيوس، لذا لم يُطل وقتًا يغذّي غضبه بسبب هذه النقطة.

6- كلنا سنموت

ماركوس يُذكّر نفسه أن الأحداث هذه مؤقتة، سرعان ما ستزول، خصوصًا عندما تنظر للأحداث من عَلِ، أنت ومُغضبك ستموتون في النهاية، ولن يتذكّركم الا أناس ما يلبثون إلّا أن يموتوا بعدكم. و إن طالَ عمرك، فهذه الأحداث ستبدو تافهة بعد سنين، فإذا كان هذا حالها، لماذا تهتم بها الآن؟

كل ما تراه سوف يزول سريعًا، وأولئك الذين يشهدون زواله سوف يزولون هم أنفسهم. مُتْ في أرذل العمر أو مُتْ قبل أوان موتك … كلاهما سيَّان.

7-أحكامنا هي ما تُغضبنا

وهذه من القواعد الرواقية الأساسية، أفعال الآخرين وإن كانت مُوجهة نحونا لا تؤذينا، لا تؤذي شخصيتنا. إلّا إن سمحنا لهم بذلك. ما يؤذي شخصيتك موجود تحت سيطرتك، وما ينفعها أيضًا، ماركوس كان يُذكّر نفسه أن المُخطئ يُخطئ في حق نفسه، وعليه أن يترك الخطأ حيث اُرتكب، لا تقلق، لا تملك هذه الأفعال ظفرًا لتنشبه في لحمك، إنّما تفعلُ هذا بنفسك. اذا كرهك احد فهذه مشكلته. واجبك الا تفعل شيئا يجعلك تستحق هذا الكره.

اطَّرِح الحكم تَجدِ الخلاص. ومن ذا الذي يمنعك من هذا الاطِّراح؟

8- الغضب يؤذينا أكثر

ماركوس يربط عادة بين فصل الأحكام والخطوة التي تليها، وزن العواقب، قارن بين نتائج الغضب، ونتائج الهدوء. ستجد أن كثير من أفعال الغضب أكثر سوءًا من الفعل الأول. كان السلف الرواقي يحثّ التلاميذ على تخيّل وجه الغضبان، تخيّل خدودًا متورّمة، عيونًا جاحظة، رذاذًا متطايرًا. كما لو كان مُصابًا بمرض خطير، حقًّا، هل تظن أنك قادر على اتخاذ قرارات مناسبة وأنت في هذه الحال؟

ما الفائدة من هذا الجنون المؤقّت؟ حتى لو انفَجرتَ من الغيط فسوف يمضون على سنتهم ويعملون على شاكلتهم. كما كان يقول ماركوس.

9- وُهبتَ ما يُصبّرك.

في خطابه للجيش بعد الإنقلاب، أخبرهم ماركوس أنّه يُريد أن يتصرّف بشكل صحيح مع الحرب الأهلية، كيف يفعل ذلك؟ يُظهر ما وهبه الله من خِصال للتعامل مع هذه المواقف، فلم نُخلق لشيء لا نطيقه، صحيح؟ الصبر والتجلّد على الغضب، نأي النفس عن القرارات المتهورة، ومن ثم ابقاء الصلة مع المذنب وإفساح المجال للعفو، يُذكّرني هذا بتعامل حكيم آخر مع الحرب الأهلية، تعامل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في صفّين، عندما قطع معاوية عن جيشه طريق الفرات -كما فعل أبوه بالآبار في بَدر الأولى- وبقي الجيش بلا ماء، صبّر جيشه، وأرسل رسائل العتاب الى معاوية، فلمّا أبى، سار له بالجيش كما فعل أوريليوس، وقال لهم كلمته الشهيرة: «روّوا السّيوف من الدّماء ترووا من الماء، فالموت في حياتكم مقهورين، و الحياة في موتكم قاهرين.» واستولى جيشه على الفرات، ولم يمنع جيش الشام منه.

ولأن الكلام الفصيح يُحفّز ذاكرتي، تذكّرت بيتًا فصيحًا لطرفة بن العبد فيه شيء مما نقول:

فما كل ذي غش يضرُّك غِشّه . ولا كل من تهوى كرامته تُرضي.

يقول طَرفة: إنَّ الغشاش لا يضرّك، ولا أدري من أين أتت هذه الحكمة لهذا الشاب المتهوّر النَزق، لعمري هذا عين ما يقوله ماركوس، إنمّا هي أحكامك التي تضرّك، ولا كل الذي تهوى الخير والصلاح له تُرضيه، فيتّبع قولك. وهذا أيضًا أسلوب رواقي، فيقول ماركوس علّمهم، أو تحمّلهم. فإن طبّقوا فبها، وإن لم يفعلوا، فلا مبرّر للغضب أيضًا.

10- هذا دأبهم

يقول ماركوس أنّك حينما تكون غِرًّا لا تتوقع الشر في هذا العالم، أو تراهم يُسيئون للآخرين ولا تتوقّع أن يفعلوا ذلك معك، إنّما هذا ذنبك، وأنت الملوم لا هم، فهذه شاكلتهم، جُبلوا على الشر. تقتضي الحكمة أن تتوقّع كل شيء. ماركوس كان يتوقّع هذه الخيانة والخداع، لكن مجلس الشيوخ في روما لم يتوقع خيانة كاسيوس، فأعلنه عدوًا للشعب وسحب منه ألقابه العسكرية، الأمر الذي أزّم الموقف، ولم يترك خيارًا لكاسيوس إلّا القتال.

«إن من الجنون أن تتوقع من الاشرار ألاّ يخطئوا بحقِّ الاخرين، ان تطلبَ ذلك هو ان تطلبَ المستحيل، ولكن أن تسمح ان يفعلوا مثل ذلك بالغير ولا تتوقع ان يفعلوه لك، هذا خطلٌ، وغرورُ مُستبد»

احد الافكار المُلهمة لماركوس اوريليوس، تجعل حياتي أكثر مرونة وتواضعًا للأقدار.

— Hamza Salim (@7amnad) April 15, 2020

عزيزي القارئ أشعر أنّي أستغللت فضولك حول قصة الانقلاب بما فيه الكفاية، لكن هكذا شاء عقلي عندما خطّط لهيكل المقال فاعذره.

واصل ماركوس التدرّب على هذه التأملّات وهو يسير بالجيش نحو مصر، علّمته الفلسفة أن يبقى هادئًا، وكان هذا الهدوء ذا أثر عظيم على جيشه، بعد أن آمّن التحاق قائده في تركيا، عيّن فصيلًا من الجيش أيضًا ليحمي رومًا اذا أستطاع كاسيوس أن يتغلّب عليهم، كاسيوس في موقف لا بأس به، فهو يسيطر على الأسكندرية حيث منها تصل مؤن الخبز الى روما، عدد قوّاته ثلث عدد قوات ماركوس في أرجاء الأمبراطورية، لكن ماركوس كان يملك جيشًا مواليًا، ومجلس الشيوخ هناك في روما كان داعمًا لشرعيته. والآن بعد ثلاث أشهر من العصيان واقتراب ماركوس وجيشه، الحرب الأهلية ستبدأ.

وصل رسول أخر بأخبار مفاجئة، عندما كان يتمشّى في أرجاء المعسكر، أمسك أحد الضبّاط رمحًا وهاجم كاسيوس، يَمّم نحوه على فرسه، وترك الرمح يبرق في رقبته، جُرح كاسيوس بشكل عميق، وبينما كان يحاول النجاة، شدَّ عليه ضابط آخر برفقة الأول، قطعوا رأسه. وأرسلوه الى ماركوس أوريليوس. أنقلب جيش المُنقلب عليه نفسه، لينتهي ذلك العصيان الواعد بموته، يبدو أن الجنود قد أيقنوا أنه لا طائل من معركة جديدة ضد جيش روماني منضبط بقيادة الأمبراطور الشرعي، ماركوس لم يُعاقب الجنود تحت إمرة كاسيوس، وأرسلهم الى مواقعهم الأولى، ورفض النظر الى رأس كاسيوس، صديق الحرب، وأمر بدفنه. ولم يعدم الا المتورطين بالخيانة، صفَح عن عائلة كاسيوس، وأمر بتوزيع ثروته بينهم، وصفح عن المتعاطفين مع هذا الانقلاب في مجلس الشيوخ، مرّة أخرى، في تموز 175م. ماركوس أوريليوس هو الأمبراطور الوحيد لروما.

من الطبيعة الإنسانية أن تحب حتى من يَزِلُّون ويسقطون. يتبين ذلك إذا ما أخذتَ باعتبارك، حين يخطئون، أن البشر إخوة، وأنهم يخطئون عن جهلٍ وليس عن عمد، وأن الموت لا يلبث أن يَطوِيك ويَطوِيهم. والأهم، أن المخطئ لم يَضُرَّك، ولم يجعل عقلك المُوجِّه في وضعٍ أسوأ مما كان عليه من قبلُ. – ماركوس أوريليوس.

اقرأ أيضًا بخصوص الفلسفة الرواقية:

الألم – دليل رواقي للسيطرة على الأوجاع.

في الرغبة والإدمان – رواقية العادات السيئة

للإستزادة:

How To Think Like A Roman Emperor – Conquer Anger

 

تابعني


انضم لقناة التليكرام – تدوينات قصيرة مفيدة

© 2023 د. حمزة سالم | Powered by Minimalist Blog WordPress Theme