تناول هذه البطاطا الحلوة، انها تحتوي على فيتامين E انه يعالج الحروق وسرطان الجلد والاكزيما والصدفية وقرح الجلد ويفيد صحة القلب وكذلك يقوّي جهازك المناعي، لم اكمل بعد، انه يعالج التجاعيد ويجعل بشرتك ناعمة ويقضي على .البقع البنية ويحفز نمو الشعر ويعالج الشيخوخة
لا تبتهج لهذه الدرجة، يؤسفني ان اخبرك ان مصدر هذه المعلومات هو موقع ثقّف نفسك. يبدو ان نيّة القائمين على الموقع جيدة، كان عليهم ان يكتبوا: تناول البطاطا الحلوة ولن تموت، ايجازا. يا بؤس كلكامش!
هناك مشاكل عدة في مثل هذه الدعايات الفاسدة لالتزام الحمية الغذائية، هي اولا تحاول التسويق للطعام على انه البديل الامثل للدواء، لست بحاجة لدواء لعلاج اعراضك، انت تحتاج الى البطاطا الحلوة فقط، ثانيا عندما تفشل هذه الخطة في حتى الوقاية من الامراض، ستسبب همّا اضافية للمريض، كيف سيتعايش هذا المسكين مع مرضه عندما كان يعلم انه كان باستطاعته منعه لو واضب على نظام البطاطا الحلوة!
واذا اكملنا في عد المشاكل، نجد ان مروّجي هذه الدعاية، يركزون على جزء واحد فقط من الصورة، يستلونه من السياق، ثم يقدموه لك كوصفة عظيمة للوقاية من الامراض، في حين ان الحصول على وقت كافي من النوم، ممارسة الرياضة بانتظام تؤدي ربما نفس الغرض، بل وقد تقي تنفع جلدك اكثر من البطاطا الحلوة
الطعام لا يَضر، الدواء يضر. لماذا تهاجم اذا؟
في البداية، انا مدين بفكرة هذا المقال للدكتور غسان، في احدى محاضرات مادة EPCD قال لنا ان محاضرة اليوم ستكون من الامتع في كلية الطب، وقد صدق، لقد كانت واحدة من افضل المحاضرات التي حضرتها في سنتي الاولى
اثناء المحاضرة، تكلمنا عن بعض الاخلاقيات الطبية، وتعرّضنا لبعض الخرافات، خصوصا التي تخص الحمية الغذائية التي تعالج الامراض، غسان رد على طالبين ارادوا معالجة السرطان بالاعشاب، او بتقليل استهلاك كمية السكر، غسان ايضا تحدّث عن آلية اختبار الادوية، في ذلك اليوم قلت لنفسي اني سارتب الافكار وادعمها واكتب مقالا على هذا الموضوع، لم اكن املك الموقع ولا الوقت، لكن بعد ثلاثة اشهر، انتم تقرأون المقال الان.
اختبار الدواء والموافقة على اعتماده يخضع لمعايير صارمة، مثلا عندما تحاول اختراع دواء يقلل من ضغط الدم، انت تحتاج لمتطوعين يملكون نفس مستوى ضغط الدم تقريبا، أي اننا حققنا معيار التماثل، ثم نقسم هؤلاء المتطوعين الى فريقين، فريق يُعطى الدواء، واخر يعطى دواءً وهميا، لاشيء، جرعة “بلاسيبو”. حتى يتم فصل الحالات التي تُعالج بدون تدخل الدواء اصلا، ففي بعض الاحيان معرفة الشخص انه يتلقى دواءً، وفريق طبي يتوقع انه سيشفى، يعمل على شفاء الشخص، خصوصا اذا كان من ذوي الحالات المتعلقة بالتوتر والضغط الناتج من مشكلات الحياة!
والان، هل نفعل هذا عندما نصرّح بان ” الكركم يعالج الاورام السرطانية”؟
في البداية علينا ان نعرف ان السرطان هو خلل في الانقسام، انقسامات متكررة، وبعملية رياضية بسيطة، كلما كان عمرك اكبر كلما كنت اكثر عرضة للاصابة به، هذا ايضا رد لمن يحنون الى الماضي ويتكلمون بنوستالجيا: لم تكن هناك امراض، لم يكن هناك سرطان.
ببساطة، لانهم لم يكونوا يعيشون بما فيه الكفاية لاجل ان يتعرضوا لاحتمالية الاصابة به اصلا!
عندما يتعلق الموضوع باختبار فاعلية النظام الغذائية، الامر صعب عندما تحاول ان تجد عدة اشخاص يملكون نفس المستوى من الفيتامينات في اجسادهم، فضلا عن ايجاد اكثر من 100 شخص صالحين لاجراء الدراسة!
فضلا عن ذلك هل يوجد “بلاسيبو” للكركم؟ وهذا يدفعنا لسؤال اخر، ما هو البلاسيبو للطعام؟ الصيام؟ الصيام موضوع جديد، لا نستطيع ان نعتبر الصيام بلاسيبو.
من المهم ان نفرّق اني هنا لا اضرب بفوائد الطعام عرض الحائط، المواد الغذائية مهمة، المواد الغذائية تقلل فعلا من احتمالية الاصابة ببعض الامراض، لكنها لا تمنع الامراض بمفردها، هي تعمل كنظام كامل مع مواد غذائية اخرى، على جسم يملك مستوى معين –موجود اصلا- من المواد الغذائية، مع عوامل داخلية عديدة تختلف من شخص لاخر، وعوامل بيئية اخرى. هل نستطيع معرفة الجرعات المناسبة للكركم؟ هل نملك احصائيات دقيقة عن مدى دقته؟ الموضوع أعقد من أن نستخلص مادة غذائية ونوفرها كمكملات غذائية وندّعي انها تعمل لهذا الغرض، نحن فصلناها من السياق الطبيعي لعمل جسم الانسان.
فيتامين E على سبيل المثال، يحوي على 8 تفرعات، نحن نعرف عن اهمية اثنين منها، لا نعرف الكثير عن بقية الايزومرات الخاصة بهذا الفيتامين، وهنا ياتي خطر توفيره كمكمل غذائي مستقل بذاته.
لناخذ مثالا افضل، دواء يدعى الثاليدومايد، هذا الدواء كان يستعمل في خمسينيات القرن الماضي للحوامل، لقد اثبت فاعليته بتقليل الغثيان الناتج من الحمل، لكن مشكلة هذا الدواء انه كان يسبب تشوهات خلقية في بعض الاحيان، في بعض الاحيان كان الحوامل يلدن اطفالا كاملين، واحيانا يلدن اطفالا غير مكتملي الاطراف. عندما تم البحث عن سبب هذه المشاكل، تبيّن ان هذا الدواء يحوي على اثنين من التفرعات، ايزوميرات، احدهما يقلل الغثيان فعلا، والاخر يقلل الغثيان ويسبب التشوهات الخلقية، اخيرا تم حظر هذا الدواء في بداية الستينيات.
تحدّثت مع أحد الأطباء في وقت كورونا، نشر في أحد منشوراته أن حبّة البركة (وعدد من المواد الغذائية الأخرى) يمكن أن تُساهم بالوقاية من كورونا، بل وحتّى تُساعد على الشفاء، كان يحثُّ الناس على تناول هذه المادة. جسمنا لم يتعوّد على مثل هذه النوع من المواد، وهنا تأتي مشكلة تحديد الجرعات، هل تملك طريقة لتحديد الجرعات عندما تأخذ الجرعات، زيادة الجرعات في هذه المواد لا يقلٌّ خطورة عن زيادة جرعات الأدوية.
عمومًا، قال لي هل أنت طالب طب؟ هذه دراسة علمية تقول ذلك، أنا لا أتكلّم من جيبي! ظنَّ بذلك أني سأسلّمُ له، عندما فتحت الدراسة -وليتني لم أفعل- وجدّت في خطوات الدراسة، أنّهم جرّبوا هذه الطريقة على ديك رومي عمره يوم واحد! تخيّل!
لم تذكر الدراسة أن حبة البركة تعالج فايروس كورونا، بل اقترحت أنّه قد يعالج الأنفلونزا العادية بهذه الطريقة، وشاهد الفساد في هذه الدراسة العلمية، أولا البشر ليسوا دجاجًا، وثانيًا، عمر الديك الرومي يوم واحد بحقّ السماء! سيعالج جهازه المناعي الفتي كثير من الأمراض، صدّقني أستطيع تكرار نفس التجربة وأعطيه مشروب غازي، ويُشفى. هذه الدراسات العلمية التي يتحدّثون عنها!
في النهاية، انت تستطيع ان تلتزم بنظام نباتي رائع، لكنك لن تعالج ارتفاع الكولسترول بسرعة، الـ Statin سيفعل، انت تستطيع ان تلتزم بنظام غذائي يحوي على القليل من الكاربوهيدرات، لكن احتمالية اصابتك بالسكري ستكون قائمة اذا كانت جيناتك مستعدة لذلك، خصوصا لو كنت من جنوب اسيا، انت تستطيع ان تلتزم بامثل نظام غذائي لمنع الضغط، لكن لو كنت افريقيا امريكيا ستبقى احتمالية اصابتك بضغط الدم قائمة.
النظام الغذائي الصحي مفيد، يقلل احتمالية الاصابة بالعديد من الامراض، لكنه لا يعالج تلك الامراض، الادوية هي التي تعالج.
واخيرا، هذا مقالي، ان اصبتُ فمن الذين علّموني، وان اخطأتُ فهو مني.