إذا لم تٌفكّر بطريقة مختلفة، لن تكون قادرًا على التصرّف بشكل مختلف.
في البداية، أخبرك بفائدة هذا الفصل، فهو مفيد لمن يحاول أن يتخلّى عن أحد أكبر أكباد عصرنا الحديث، وهي المرئيات الجنسية، وهذه الطريقة ليست لمن يستهلك هذه المواد بشكل شبه يومي، ليست لمن يفعل هذا على الوضع الآلي، إنما هي لمن يستطيع أن يجاهد نفسه لفترة، ثم يسقط ويعود، رغم علمه بالأضرار، ورغم حُسن نيّته.
لهذا، إن كُنتَ ممّن يفعلون هذا على الوضع الآلي اليومي، فما هو هنا لن يفيدك بدرجة كبيرة، لأنَّنا نُعالج طبقة عميقة، وأنت لم تُوفِّر الطبقة السطحية حتّى، فلو كُنتَ تُريد تغييرًا، اتّبع النصائح التي تراها في كل مكان، اتقِ الله، غيّر من بيئتك، احظر تلك المواقع. حصِّل بعض الأيام المتتالية، ثم اجعلها تسندك للغوص بعمق، والذي تقرأه هنا، سيزوّدك بطريقة لضبط النفس، والانتصار في معركة الإرادة ما دُمتَ حيًا.
نتخّذ الكثير من القرارات نسبة إلى صوتنا الداخلي، وهذا الصوت نادرًا ما يكون مُوحدًا عندما يتعلّق الأمر بحالات الإدمان، فعقلك العاطفي يُريد الانخراط، والمنطقي يُريد ثنيه عن ذلك، فينشأ نوع من الصراع المرّ على النفس.
إذا أردتَ أن تُغيِّر أفعالك، يجب أن تعرف مصدر هذا الصوت الداخلي، حتّى تعرف كيف تُوجّهه لما تُريد، هل هو ناشئ من تحكّم عقلك العاطفي؟ هذا سيء، هل هو ناشئ من تحكّم عقلك المنطقي؟ هذا بنفس السوء، عليك أن تصل إلى حالة من الوفاق بين هاتين القوّتين.
من أكبر المشاكل، هي أن نتّبع صوتًا داخليًا لا يوّجهنا إلى الصواب، وعندما يمرُّ هذا الصوت بلا تحدٍ، يؤدِّي غالبًا إلى جلسات طويلة من مشاهدة المرئيات الجنسية.
في هذا القسم، أحاول أن أشرح أهمّية التدوين والحديث مع النفس في تحدّي هذا الصوت الضار، لكن لنفهم الأهميّة، علينا أن نعرف المشكلة جيدًا، أن نعي ما يُمكن أن يُسبّبه غياب هذا الحديث الصادق مع النفس.
لعلّك رأيت مباريات كرة القدم، وقد ترى أحيانًا أنَّ هناك فريق يُسيطر على المباراة، كل شيء له، الاستحواذ، الفرص، الركنيات. لكنّ لاعبيه يرجعون إلى بيوتهم خاسرين بهدف مقابل لاشيء، ما هو التفسير الذي تراه عند مدرّبهم ومشجعيهم؟ لم يُسيطروا على اللحظات الحاسمة.
عندما يتعلّق الأمر بموضوعنا، فالسيطرة على اللحظات المفصلية مهمّ جدًا، لأنَّك لو كنت تملك النوايا للتغيير، ولم تتصرّف في اللحظة المهمّة بالشكل الذي تُريد، ستخسر، والأسوأ، أنّك تنزل في الترتيب، لأنّك ستُرسّخ في ذهنك أنَّ هذا العمل جزء منك، لكن لو تصرّفت بشكل مختلف في هذه اللحظة، ستتغيّر، ستصبح اللحظة الحاسمة في المباراة القادمة أسهل، وهكذا تتسلّح بالثقة، وتمرّ بسلسلة من الانتصارات المتتالية.
لذلك، إذا أردتَ أن تُحكم السيطرة على اللحظات الحاسمة، يجب أن يكون مهاجموك ماهرين في تسجيل الأهداف، يجب أن يملك مدافعوك تمركزًا صحيحًا للدفاع، وخطّ الوسط يُعين الجانبين، حتّى تفعل هذا، يجب أن يكون كل فرد بمستوى جيّد من المهارة والإنضباط، هذا في مثال كرة القدم، أمّا في عادتنا، فيجب أن تكون أفكارك جاهزة، ومُوجهّة نحو الطريق الصحيح في تلك اللحظات الحاسمة، وهذا لا يتمّ إلّا من خلال التدوين بشكل منضبط، وتحليل كل لحظة حاسمة لم تظهر فيها بالشكل الذي ترُيد.
عندما تُشاهد مقطعًا إباحيًا، فأنت ستمرُّ بنوعين من المشاعر، الأولى هي مرحلة التحفّز، والرغبة في المشاهدة، والمرحلة الثانية هي مرحلة الانتهاء، حيث شعور الندم والإحباط أنّك فشلت في ضبط نفسك مجددًا، لماذا يحصل هذا؟ هذا ناتج من عدم التوافق بين القوتّين المنطقية والعاطفية، فهذا يُسيطر في الأولى، ويجعلك تشتهي التصفّح، وذاك يُسيطر في الثانية، فيكثر من لومك وعذلك.
حتّى تتجنّب هذا الأمر، يجب أن تجعلهما يعملان معًا، وحتّى تفعل ذلك، عليك أن تفهم الخُدع والتبريرات التي تنطلي عليك، هذا ما يجعل مساحة لعقلك المنطقي أن يتدّخل، من دون بطش أو تجبّر، يتدخل ليوضّح الحقائق، فيتبعه الجزء العاطفي راضخًا طائعًا.
عندما تقرّر المشاهدة، فأنت قد تمرّ بمرحلتين من التبريرات، الأولى عندما تخطر على بالك الفكرة، هيّا لنشاهد! سيكون أمرًا مُمتعًا! وهذا هو التبرير الأول، لا شيء معقّد فيه، فكرة عادية، لكنّها كافية أحيانًا لجرِّك إلى ذلك المستنقع، لذلك هذا هو المكان الأول الذي يجب أن تجعل جزئك المنطقي يتدخّل فيه.
وعندما يُريد الجزء المنطقي تحدِّي هذه الفكرة، سيُخبر صوتك هذا أنَّ هذه الحقيقة ليست كاملة، وإنّه لطالما تصرّفنا على هذه الفكرة، ورغم أنّها كانت مُمتعة في لحظات قصيرة، إلّا أن لحظات الشقاء والندم التي تبعتها، كانت أكثر مرارة. هذه هي الحقيقة الكاملة.
هنا سيُجبر عقلك العاطفي على خيارين، إمّا أن يُسلِّم للمنطقي، وينقاد إلى منطقه القويم، أو قد يتأذّى، فيشعر بالانزعاج من هذا الحرمان، وهذا يقوده لأن يكشف نفسه بتبرير آخر يرتدي فيه رداء المنطقية، فيخترق العقلانية التي تتحلّى بها، وهذا هو المكان الثاني الذي يستطيع فيه المنطق أن يتدخّل. هنا يجدر أن تنتبه إلى ما يقوله لك هذا التبرير، وسأعرض لبعض التبريرات، وأعرض كيف يُمكن أن تتحدّاها بالمنطق.
التبرير الأول: مرّة واحدة لن تضر، الجميع يفعل هذا!
التفنيد المنطقي: اذا فعل الجميع هذا، لا يعني أنّه طريق صالح، فطريق الحق مُوحش لقلة سالكيه، وحتّى المرة الواحدة ستضرّك، لأنك في مرحلة التعافي، وعندما تحاول أن تنسى ادمانك القديم، أيّ عودة ستجعل تلك الدوائر العصبية تتفعّل، وعندما تتفعل، يزداد معدّل الرغبات، فبدلًا من أن تكون محاربًا لرغبة واحدة كل ثلاثة أيّام، ستحارب ثلاثة في يوم، وهل ستثق بنفسك على المقاومة والقتال حينها؟
التبرير الثاني: سنبدأ التعافي غدًا، بداية الأسبوع، أو الشهر!
التفنيد المنطقي: إذا مرّرت هذه الخدعة على نفسك اليوم، أيّ ضامن أنّك لن تُمرّرها مجددًا في الأيام الأخرى؟ خصوصًا عندما تفعلها مرّة، فلن تحارب تبريراتك في المرة القادمة فقط، ستحارب أيضًا دوائر عصبية ادمانية تفعّلت من جديد، ومن ثمَّ لا شيء رائع في بداية الرحلة عند أوّل الشهر، هذا ليس إلّا إشباعًا لشعور الكمال والأناقة الذي في داخلك، أنت تخسر أيّامًا مهمّة!
التبرير الثالث: أعرف بعض الناس يبدون ناجحين ومُنتجين رغم ادمانهم!
التفنيد المنطقي: بالطبع، إنّهم يبدون مُنتجين، لكن هل هم بأقصى انتاجيتهم؟ هل وصلوا إلى أقصى ما تمكّنهم منه مهاراتهم؟ وأنت بعد هذا لك ظروف تختلف عنهم، فنجاح شخص رغم وجود عائق، لا يعني أنّك قادر على تخطّي نفس العائق.
التبرير الرابع: أستحقُّ مكافأة على يومي الصعب!
التفنيد المنطقي: من المنطق أن تكون المكافأة شيئًا جيدًا، أيُّ عاقل يُعطي نفسه مكافأة ضارّة! إنَّ هذا نوع من تخريب الذات، هل تريد أن تكونَ شخصًا يُعذّب نفسه لأنّه فعل شيئًا نافعًا؟ تعلّم بعض المكافآت الصحيّة; مكافآت تشحن طاقتك مثل النوم، أو مكافآت تُبهجك كهواية، أو مكافآت تجعلك أفضل، كشراء مُنتج يجعل حياتك أسهل من ذي قبل.
التبرير الخامس: هل سأقضي حياتي أقاوم؟ دعني انخرط فيها وأقلل من وقت الصراع هذا.
التفنيد المنطقي: تعال تأمّل معي، متى ستشاهد هذه المحفّزات؟ وأعني بها إمرأة تُبرز مفاتنها بطريقة تستفز دوائر الإدمان العصبية. اذا كُنت جدّيًا في التغيير، فلن تراها إلّا في ظروف محددة، صورة مودل على الانستغرام والسناب، مجموعات ضحك فاحشة يديرها عُزّاب فاتهم القطار، فيلم سينمائي يجذب مشاهديه بهذه المقاطع، الخ. والآن فكّر معي، هل هذه امثلة عن حياة صحية؟ حياة يلاحق فيها المرء أهدافه؟ أي اهداف عظيمة ستجني وأنت تتابع مودلز الانستغرام؟ بدلا من أن تخشى المقاومة، في المرة القادمة فكّر أن هذا الي يحفّزك بمثابة صعقة، تُخبرك أنّك لا تقضي وقت فراغك بشكل إيجابي، انت تقضيه على توافه. المحفّز الذي ستراه سيكون مقياسًا لجودة الحياة التي تعيشها.
هذه من أنواع تدخّل المنطق في تفنيد التبريرات، لكنّ مجرّد قراءتك لهذا لا يعني أنّك ستفعل هذا وتتذكّره عند المحفّز القادم، يجب أن تملك طريقة مستمرّة لتفنيد هذه التبريرات، تفعلها بيدك كل يوم، ولا تأخذ منك إلّا دقائق، وسأعلّمها لك في السطور القادمة.
الطريقة المثلى لأنّ تُبقي هذا الحديث الصادق مع النفس، هو أن تملك مُذكّرة، تدوّن فيها كل يوم ما تمرُّ به، وكيف انحرفت عن الصواب أحيانًا، فيكون هذا علاجًا ناجعًا في تدريب نفسك على بثّ الحقائق عندما تحتاجها، لأنّك لا يجب أن تثق بنفسك عند وقت الرغبة، أنّك ستولّد هذه الحقائق المنطقية من اللامكان، الأسهل والأمكن، أن تفعل ذلك باستمرار قبل ذلك الوقت، وحينما يأتيك الشيطان بتلك الخدعة، ستكون جاهزًا لتفنيدها ، فتذكّر الحقائق، أسهل من توليدها في وقت الاضطراب.
تحتاجُ أيضًا لأسلوب مدروس في المذكّرة، يحتوي على عدّة أسئلة، تُجيبها كل مرّة، وأقترح أن تفعل هذا ليلًا، فتقيّم متى انحرفت عن الصواب، وماهي المشاعر والأفعال التي فعلتها، ثمَّ تبثّ الحقائق على تلك الورقة، فيسهل تذكارها في المرّة القادمة.
هذه طريقتي في كتابة المذكّرة، غيِّر بها حسبما تريد، لكنّ لا تزل أعمدتها الأساسية، وعندما تدوّن، قد تشعر بنوع من الإنزعاج عن الامور الخاطئة التي مضت في يومك، لكنّ هذا أمر مفيد، فعقلك يتعلّم كثيرًا من التجارب السلبية، ولو سمحت له أن يعيشها كما كانت، بشكل صادق على ورقة، ستزيد من فرصة تعلّمه.
ماهي لحظة الإنحراف عن الصواب؟
كيف كانت مشاعرك أثناء هذا الانحراف؟
كيف تصرّفت اثر هذه المشاعر؟
ماهي الكذبة التي جعلت نفسك تصدّقها؟
ماهي الحقيقة التي كانت يجب أن تكون محلّها؟
كيف يمكن ان تتصرّف أفضل في المرّة القادمة؟
ماهي الايجابيات التي مررت بها في يومك؟
اكتب 3 اشياء تمتنّ لها
أقترح أن تبدأ بهذه الطريقة في البداية، ثمَّ تختصر الأسئلة بعد فترة، فتضعها في أربعة سطور، اللحظة الحاسمة، الكذبة، التصرّف الصحيح، وسطر الإيجابيات.
بالحديث عن السؤالين الأخيرين، هذا فيه فائدة في الموازنة، فأن تكون مُركّزًا على عيوبك، والهوس بها، قد يجعلك في دوّامة من الضغط والتوتّر، كن واعيًا بتلك الأمور التي تفعلها بشكل جيّد، احرص على تدوينها، ستٌفاد من أثرها على مزاجك.
هذه الطريقة ناجحة جدًا في تعويد النفس على بثّ الحقائق النقيّة، في مستنقع مشوب بالخداع، وإذا كانت هذه الحقائق مستمرّة وكثيفة، ستزيل أغلب هذا الوسخ، وهذا ما يُمكنّك من البقاء نظيفًا لفترات طويلة، في الواقع، لو فعلت هذا بطريقة مستمرّة، سُتغيّر شيئًا فيك، ستغيّر في هويّتك، وستصبح هذه الحياة الخالية من الإباحية، هي حياتك الطبيعية.
الفكرة أيضًا أن تبقى على هذه الطريقة لأيّام مستمرّة، حتّى لو لم تكن تملك جوابًا على كل سؤال في يوم ما، لا تطلب الكمال، فحتّى المرئيات الجنسية قادتك لطريق الإدمان عن طريق تكرارها، وأنت لو أردتَ أن توقف هذه السلسلة المُنكرة، عليك أن تُجابهها بسلسلة من العمل المعاكس المفيد، وفي حالتنا هذه، التدوين والحقائق.
التعويد على الحقائق في هذه الطريقة، يُساهم في فكّ الصراع بين اجزائك المنطقية والعاطفية، فالحقيقة تجعل كلا الطرفين يعملان في توافق، لأنّهما يسعيان إلى ما فيه خير للنفس، وما هو أقوم نفعًا ومعنى.
وعندما تصل إلى وقت الرغبة في المرّة القادمة، ستكون مُتسلّحًا بالكثير من الحقائق التي تجعلك تغضّ الطرف عن الانخراط في مثل هذا العمل، وستحاول أن تُعالج المشاعر السلبية التي ولّدت هذه الرغبة بطريقة مفيدة أكثر.
فلو شعرتَ بالتوتّر، قد تقوم بالمشي أو تتأمل، لو شعرتَ بالوحدة، قد تحادث صديقًا محادثة بنّاءة، ولو شعرت بأنّك متأخّر في جدول أعمالك، سيكون وقتًا لمعرفة ما فات، والتخطيط لبقية اليوم أو الأسبوع لمعالجة هذه المشكلة، أترى، هذه كلّها حلول أكثر فائدة من الاستمناء على شاشة، باختصار، في المرّة القادمة، ستملكُ خيارًا أفضل، من أن تٌقاد بشكل سلبي، إلى العادات المُدمّرة.