عندما كنتُ في سنتي الاولى، التقيتُ باصدقاء المدرسة الذين سبقونا الى الكلية، وعندما تستشير نُصحه بشأن مادة من المواد، سيقول لك : ” لا تقلق، ستنسى كل الذي تعلّمته، ثم ستتعلّم ذلك مجددا عندما تحتاجه”. في الحقيقة هذه الفكرة لم تكن تهوّن علي، كانت فكرة مرعبة، لماذا أدرس إذن؟
كطالب في كلية الطب، التعلّم هو وظيفتك، ستقضي فترة طويلة من حياتك تتعلّم، بل انت مطالب بالتعلّم في كل مرحلة من مراحل عمرك، في اثناء كل هذا أنت تستهلك الوقت والمجهود، فضلا عن المال. ومع ذلك نحن ننسى الكثير ممّا تعلمّناه، حتى تلك المعلومات التي بذلنا في تعلّمها جهدا كبيرًا.
أليس من الافضل أن نطبّق خطة لتساعدنا على تحقيق أكثر فائدة من الذي نتعلّمه؟ وبالفائدة أعني التذّكر.
عندما أفكر بفائدة التذكر، أفكر بعمر الطبيب في العمل، ربما ستعمل لـ30 سنة ( هناك أطباء يعملون أكثر بكثير) ولو رأيت 10 مرضى في اليوم، هذا يعني إنّك ستفحص 75 الف مريض في حياتك، بالطبع النسبة الأكبر من هذه الحالات ستكون حالات سهلة، شائعة. لكن ليست كل الحالات كذلك، هناك حالات، ولنعتبرها 5% مثلا، ستختبر تعليمك حقّا، لن تكون شائعة، ما سيُساعدك حينها هو أساسك الصلب، قدرتك على استرجاع المعلومات المفيدة. أنت مطالب بأتخاذ القرار الصحيح فيما يخص هؤلاء الـ 5%، هذا ما سيميّزك، أنت ستترك أثرا في حياة 1500 شخص.
حتّى أوضّح طريقة التعلّم الصحيحة، نحتاج لتعلّم كيف يتعلّم العقل أصلا، يجب ان نتعلّم الأساسيات أولا، لان طريقة التعلّم ليست قالبًا واحدا صلبًا يستخدمه الجميع، بل هي مرنة، متسلّحا بالاساس، تستطيع تطويع طريقة التعلّم الصحيحة لتناسب طريقتك وأحتياجاتك.
كلّنا نعرف أن الذاكرة تنقسم الى قسمين، ذاكرة قصيرة الأمد وأخرى طويلة الأمد، لكن هناك سؤالين مهمّين حول هذه النقطة، ألاول، هو كيف ندخل المعلومات الى الذاكرة القصيرة؟ والثاني كيف نحوّل المعلومات الى الذاكرة الطويلة حتى ننتفعَ منها في حياتنا؟
كيف ندخل المعلومات الى الذاكرة القصيرة؟
ادخال المعلومات يتم من خلال البيئة المحيطة، محاضرة تراها، كتاب تقرأه، لكن حتّى تستطيع نقل تلك المعلومات الى هذه الذاكرة تمرُّ بعائقين، الأول هو الإنتباه، سيكون سخيفا لو تحدّثنا عن الإنتباه، أنت تعلم كيف تنتبه، أمّا الثاني هو أن ذاكرتك القصيرة محدودة، معظم البشر يتذكّرون 7 أشياء في اللحظة الواحدة، ربما أكثر أو أقل بقليل. حتى تستطيع أن تتذكر أكثر، عليك أن تستخدم طرق للتغلب على هذا القصور الطبيعي للذاكرة، مثلا أن تُجزّء الموضوع الى قطع، أو أن تستعين بالصور والتشبيهات في ذاكرتك، خرائط ذهنية وقصور ذاكرة.
قرأتُ مرّة كتابا أسمه رقصة القمر مع أينتشاين يتحدّث عن ابطال الذاكرة الذين يتذكرون معلومات عشوائية لمدة طويلة، لم يكونوا ابطالا خارقين بذاكرة خارقة، كان سرّهم التشبيهات الصورية، يستخدمون ما يسمّى بقصور الذاكرة، هذه الطريقة مفيدة، جرّبتها مرّات، هي جيّدة لتذكر قائمة طويلة بمهام عشوائية تطلبها منك والدتك عند الذهاب الى السوق، لكنّها متكلّفة وغير عملية في الدراسة.
كم من قصور الذاكرة التي ستنشئ من اجل المواضيع؟ كم ستسهلك من الوقت لأجل التفكير بتشبيهات عبقرية تبقى في بالك؟ كل هذا وقت تستطيع أن تستخدمه لتعلّم الموضوع أصلا! قد نستعين بهذه الطرق لمساعدتنا على حفظ جزء من الموضوع، لكن ما هو اكثر عملية وفائدة وأكثر حِفظا للوقت هو التكرار
العلم خلف التكرار – منحنى النسيان
هيرمان ابنغهاوس عالم نفس الماني، له أبحاث تهتم بعمل الذاكرة، من الامور العظيمة التي أكتشفها هي منحنى النسيان، حاول في تجربته أن يتعلّم قائمة طويلة بمعلومات عشوائية، ثم أختبر نفسه في اليوم الثاني، وجد أنه نسى 40% من المعلومات، بل وهذا النسيان يزداد سوءً كلما مر الزمن قدما، هذا المنحنى لا يختلف كثيرا بين جميع البشر.
الخبر الجيّد أن صاحبنا أعاد التجربة، هذه المرّة بمراجعة التعلّم، اكتشف انه أصبح يتذكر بشكل أفضل، ويحتاج وقتا أقل لاسترجاع المعلومات، والاكتشاف الاهم أنّ أختيار وقت التكرار بشكل مناسب قبل نزول منحنى النسيان كان اهم من طريقة الدراسة نفسها.
أعيد الاستنتاج لأهميّته، اختيار وقت التكرار أهم من الطريقة التي حصلت بها على المعلومات من أوّل مرة، والتكرار يجعلك تتذكر اسرع بوقت أقل.
كثير من اصدقائي عندما يراني أستخدم انكي يظنّ أنّي أبذل جهدا خارقًا واستهلك وقتا كبيرا باستخدام التكرار المتباعد، في الحقيقة أنّي لا اشاهد المعلومة الا لمدة دقيقتين طيلة الكورس، وهذه الدقيقتين مُقسّمة على مدار الأشهر الاربعة الخاصة بالكورس!
مع ذلك، مع أنّها الطريقة الافضل والاكثر حفظا للوقت، لكن اغلبنا يفضل الخيار الأخر، الأكثر ارهاقا، ذلك الذي يتضمّن حشو الدماغ باكبر كم من المعلومات قبل الامتحان (Cramming). هذه الطريقة قد تنجح على المدى القصير، أيهٍ، قد طالما أتت لي بالدرجات الكاملة في دروس الاجتماعيات في السابق، لكن نحن في مرحلة لا ينفعُ فيها نسيان ما تعلّمناه، على الأقل المهم منه، ففي ذلك بخس بحق أنفسنا قبل غيرنا، كم من الوقت الذي بذلناه من أجل تعلّم هذه المعلومات؟
نظام التعليم يُشجّع على هذا أصلا، في وجود أختبار واحد في نهاية الكورس، أنا لا ألومه، هذا هو المتبّع في كل دول العالم، فهو سيحاول ان يعطيك المعلومات ويختبرك، ماذا سيفعل لك أكثر؟ هذا الاسلوب سيخرّج الاطباء، سيكونون اطباء جيدين في اغلب الحالات، لكن هل سيرتقون الى المسؤولية في تلك الحالات الصعبة التي تخص الـ5% من الناس؟ لا أدري، قد ينجح، لكنّه ليس أمرًا مضمونا، الطريق المضمون احقُّ بالإتبّاع.
بالنسبة لي، اذا صادف يوما ان اكون ضمن الـ1500 مريض في حياة أحد الأطباء، حينها أريدُ طبيبًا متمكنّا ليعالجني، لن اتمنى أن يعالجني طبيب جيد فقط، وهكذا الحال مع بقية الناس.
عرفنا العلم وراء التكرار، وهنا ياتي دور أنكي، أمامك خياران، تستطيع أن تقوم بالتكرار وحدك، تنشئ جدولا وتراجع الذي تاخذه، لكنّ هذا الخيار يتطلّب قوة أرادة هائلة اولا، وثانيا همّا وعبئا أضافيا الى جانب الدراسة، وستقع في معضلة الاختيار Paradox of choice. ماذا ستراجع أولا؟
أهمية برامج الفلاشكارد مثل أنكي تكمن هنا، هي تجدول لك المراجعات، حسب خوارزمية مبدعة تستند الى منحنى النسيان الذي تكلّمت عليه، بل أنكي يتفوّق في أمرين أضافيين، أنت عندما تراجع الموضوع وحدك، ستراجع الاخضر واليابس، ما تتذكره وما تنساه، ستمرُّ عليه بنفس الدرجة، أنكي سيركّز على ما تنساه ( لأنّك ستقيّم أجابتك بعد كل أجابة)، وأنكي برنامج محمول، تستطيع أستخدامه في أيّ وقت.
كيف تستخدم البرنامج؟ البرنامج سهل بواجهة بسيطة، تضع أنت سؤالا وتضع الجواب، وثمّ يخرج لك السؤال، تفكرُّ فيه لثواني، ثم تضغط على عرض الاجابة، ثم تقيّم الاجابة، وسيعرض لك البرنامج هذه البطاقة في المستقبل حسب تقييمك للمعلومة.
شاهد هذا الفيديو (اضغط هنا) لتعلّم اساسيات البرنامج.
نصائح من تجربتي لاستخدام البرنامج
- لا تحاول تعلّم كل شيء من البداية
البرنامج فيه أعدادات كثيرة، لا أعرف الكثير منها حتّى الان (بعد سنتين من الاستخدام). فقط طبّق ما تحتاجه، تعلّم اعدادات البرنامج أثناء التعلّم. - كن صادقًا مع انكي
انكي يكرر لك البطاقات حسب تقييمك لاجابتك في اول مرة، فلو لم تتذكر المعلومة لا تضغط على تقييم (جيد)، لا تقل (اوه كنت اتذّكر هذه المعلومة لهذا ساضغط على جيد) أنت تخدع نفسك وتخدع البرنامج هنا. سيكون مآل هذا سيئا على المدى الطويل. - التزم! أو على الاقل حاول.
لن ادّعي المثالية هنا، انا أعاني من الالتزام بحل البطاقات حتى لحظة كتابتي لهذه التدوينة، لكن هيه، أنا شخص كسول يفضّل الراحة، لا يجب ان تكون مثلي. - لا تُسرف.
لا تضع كل شيء في أنكي، هناك معلومات لا تستحق التذكر، لن تنفعك في حياتك الطبية لكن يجب عليك ان تتعلمها، لا تُرهق نفسك بها - اذا ادخلت نفايات في انكي، ستحصل على نفايات.
المعلومات غير المهمة، الاسئلة ذات الصياغة الخاطئة وغير الواضحة، الاسئلة الطويلة، كلّها نفايات لن يعينك انكي على تذكرها.
كيف تُجنّب أنكي النفايات؟
هذا موضوع مهم جدّا، في سنتي الاولى استخدمت البرنامج بطريقة لم تحقق النفع المرجو منه، ذلك أنّي أدخلت فيه النفايات، أدخلت كل شيء، كنتُ شابا متحمّسا.
أما الان فتعالَ استقِ من حكمتي، اتبّع هذه الطرق لتجنّب انكي النفايات.
- لا تضع شيئا في أنكي ما لم تفهمه جيدا
أو ما نسميه في العرف العامي ( الدرخ). لا تستعمل هذه الطريقة مع أنكي، ستكون مضيعة للوقت، أنكي لن يعلّمك، سيساعدك على التذكر وربط المعلومات ببعضها، أنا أشبّهه بملاك من السماء ليساعدنا على حفظ المعلومات التي بذلنا جهدا في تعلّمها. - بسّط البطاقات ما استطعت
لا تضع سؤالا عاما شاملا يحتاج وقتا طويلا لاجابته، من المفترض ان تضع سؤالا تستطيع اجابته في 10 ثواني. اذا وضعت سؤالا طويلا معقدا، قد تنجو من فعلتك في المرتين الاولتين بفعل حماس الشباب والبدايات، لكنّك مع تكرار هذه البطاقة في المستقبل، عندما تراها بعد شهر، ستكون عملا شاقا عسيرا غير محبب للنفس.
ناخذ مثالا، هذه صورة من من مادة لدينا، كيف يمكن ان تضعها في انكي؟
بدلا من ان تكتب السؤال :ماهي اضرار الالتهابات؟ وتعبّئ فكرك بهذه المعلومة، قسّم البطاقات
-كيف يمكن ان يؤدي الالتهاب الى خطر على الحياة؟
-هل يرتفع ضغط الخلايا الملتهبة ام ينخفض؟
-ماهو تاثير الالتهاب على الخلايا المجاورة؟
-ماهو دور الالتهاب في الحساسية؟
-كيف يؤدي الالتهاب الى صدمة (Shock)
الفائدة من هذا عظيمة، فلو نسيت نقطتين في الطريقة التقليدية لن تعرف كيف تقيّم السؤال، هل ستضع جيّد وتنسى نقطتين؟ ام تضع حاول مجددا وتجبر نفسك على تذّكر ثلاث نقاط اضافية؟. تقسيم القائمة الى اسئلة محددة تسهّلأ الحفظ، وتسهّل قراراتك عندما تُخطئ. - أعتنِ بالبطاقة
أنت ستشاهد هذه البطاقة لمدّة 5 دقائق على مدار حياتك (اذا استخدمت أنكي دائما وابدا). أعتنِ بها، إذا ارادت صورًا او توضيحا فأكتبه في الجواب، اذا اردت وضع تشبيه أو اختصار mnemonic فضعه، ضع صور من المحاضرة الاصلية التي اخذت منها الاسئلة، سيكون هذا ذا اثر عظيم عندما تنسى البطاقة مرّة، لن تضطر للرجوع الى المكان الذي اخذت منه البطاقة، ستملك كل شيء في حقل الاجابة. - عندما تُخطئ، لا تضغط على زر ” اعادة المحاولة” بدون التفكير بسبب الخطأ، مدى اقترابك من الجواب الصحيح ولماذا حصل لك هذا اللبس.
- استخدم الصور.
الصور قويّة جدا، خصوصا في مواضيع مثل التشريح، الفكرة ان تُغطّي تاشيرا معينا في الصورة، وتختبر نفسك، تستطيع استخدام الصورة لاكثر من مرة لمختلف التاشيرات، تستطيع فعل هذا مع البرنامج عن طريق هذه الاضافة (اضغط هنا). هذا أحد الأمثلة من النيورو أناتومي باستخدام أنكي
أنكي تطبيق مجاني على الحاسوب والأندرويد، لكنّه مدفوع (25$) على اجهزة IOS. يقول مطوّر البرنامج أن اموال IOS هي ما يستخدمه لدعم نفسه البرنامج، فهو يعمل عليه بوظيفة كاملة، بالنسبة لي (وللوقت الذي استخدمت البرنامج فيه) كنتُ سعيدا بدفع هذا المبلغ لاجل نسخة الايفون والايباد، فائدة النسخة المحمولة هي أنّك تستطيع حل البطاقات في أي وقت خارج المنزل، لكنّ بصراحة، اشتريت البرنامج لدعم المطور بالدرجة الأولى، فاستخدامي للبرنامج على الهاتف قليل، أعلى نشاطاتي الدراسية تكون في غرفتي مع الحاسوب والنسخة المجانية، لدّي أوقات فراغ في الكلية، من المفترض ان استخدم البرنامج هناك، لكنّي افضل ان استمع لقصيدة لبدر الدريع مثلا، عرفتم سبب المعاناة مع الالتزام.
في النهاية أحب أن أشير الى نقطتين.
الاولى أنك تستطيع صنع البطاقات بمفردك،وهذا هو الخيار الافضل، لأن كل منّا يصنع بطاقات حسب تجربته وخبرته، لكن اذا كنت مبتدئًا وتريدُ أن تعرف طريقة صياغة الاسئلة الفعّالة استطيع مشاركة الملف الخاص ببطاقاتي (مواد المرحلة الثانية- طب بغداد)، راسلني وساكون سعيدا بمشاركتها معك.
والثانية هي أن انكي لن يكون حلّا سحريا لرفع درجاتك، بالنسبة لي اتجاهل عمدًا وضع عدد من المعلومات التي لا أشعر بأهميتها، يجب ان تتحلى بعقلية تجعلك تُضحي بالمعلومات قليلة الفائدة، لا يجب ان تحفظ كل شيء، أنت تعمل للمدى الطويل، ستخسّر درجات قليلة، لن تصل للكمال في كل امتحان، لكن ما يهمُّ، أنّك ستنقذ الالف والخمسمئة.
نموذج من بطاقات أنشأتها لكورس كارديولوجي
مصادر لمساعدتك مع البرنامج