قد يخطر على البال سؤال مهم: ما هي الاضطرابات التي تسببها المخدرات لوظائف الكبد؟ وحتى نفهم هذا السؤال، يجب أن نبدأ بمقدّمة، الكبد هو العضو الرئيسي المسؤول عن أيض الأدوية، والذي يمثل عملية تحويل الأدوية إلى مركبات أكثر قطبية وسهولة في اخراجه من الجسم. يشمل أيض الأدوية ردود فعل إنزيمية متنوعة يمكن أن تعدل البنية الكيميائية، النشاط، والسمية للأدوية.
الكبد أيضًا يعبر عن العديد من الناقلات التي تسهل امتصاص الأدوية واجراء التفاعلات الكيميائية عليها. يمكن التأثير في أيض الأدوية والنقل في الكبد بواسطة العديد من العوامل، مثل التغيرات الجينية، الأمراض المشتركة، تفاعلات الأدوية. فلهذا فهم الدور الحيوي للكبد في أيض الأدوية مهم لتحسين العلاج بالأدوية، التنبؤ برد الفعل على الدواء، ومنع الإصابة بالكبد الناجمة عن الأدوية والمخدرات.
أثر الافيونات على وظائف الكبد
الأفيونيات هي فئة من الأدوية التي تعمل على مستقبلات الأفيون في الدماغ والأنسجة الأخرى لتجعل المريض يشعر بالسكون، النشوة، وحتّى تقلّل معدلات التنفس. تتضمن الأفيونيات المواد الطبيعية المشتقة من زهرة الأفيون (مثل المورفين والكوديين)، المركبات الصناعية (مثل الفنتانيل والميثادون)، والمشتقات شبه الصناعية (مثل الهيروين والأوكسيكودون).
تُستخدم الأفيونيات على نطاق واسع في علاج الألم الحاد والمزمن، ولكنها أيضًا من الادوية التي يساء استخدامها وتسبب الادمان. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، استخدم ما يقرب من 53 مليون شخص الأفيونيات في عام 2017، وتوفي 115,000 شخص جراء تناول جرعة زائدة من الأفيونيات.
تُعتبر الأفيونيات بشكل عام أن لها سمية كبدية ضئيلة عند استخدامها في جرعات علاجية. ومع ذلك، يمكن للأفيونيات أن تسبب إصابة الكبد من خلال آليات مختلفة، خاصة عند استخدامها بطرق زائدة أو غير قانونية. من اهم هذه الوسائل السمية هي انها تكبت الانزيمات الكبدية، وتساهم في التدخل في نقل حمض الصفراء، وطريقة اعطاءها تسبب في نقل التهاب الكبد الفايروسي. تعتمد مخاطر وشدة الإصابة بالكبد الناجمة عن الأفيون على عدة عوامل، مثل نوع وجرعة الأفيون، طريقة الاعطاء، أو وجود مرض الكبد الموجود مسبقًا.
أثر الكوكايين على وظائف الكبد
الكوكايين هو دواء محفز قوي مشتق من أوراق نبات الكوكا. يعمل الكوكايين على مستقبلات الدوبامين والنورأدرينالين والسيروتونين في الدماغ والأنسجة الطرفية لإنتاج النشوة وزيادة اليقظة عند المدمنين. يسبب الكوكايين أيضا تضيق الأوعية الدموية، وتسارع ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع درجة الحرارة، والتشنجات.
الكوكايين هو واحد من أكثر الأدوية غير القانونية إساءة استخدامها في جميع أنحاء العالم. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، استخدم ما يقرب من 18 مليون شخص الكوكايين في عام 2018، وتوفي 38,000 شخص بسبب أسباب مرتبطة بالكوكايين.
يمكن أن يسبب الكوكايين إصابة الكبد من خلال آليات مختلفة مثل:
- السمية المباشرة للكوكايين
- قلة وصول الدم للكبد بسبب تضيق الأوعية الدموية أو التخثر
- الإجهاد التأكسدي بسبب زيادة إنتاج الأكسجين النشط
- الالتهاب بسبب تنشيط الخلايا المناعية والسايتوكينات
- النخر بسبب زيادة الكالسيوم ونقص ATP
- تليف الكبد بسبب تحفيز خلايا الكبد النجمية وتخليق الكولاجين
- والتسرطن بسبب الضرر الذي يلحق بالـ DNA وتعطيل العمليات الاصلاحية داخل الكبد.
اقرا أيضًا: هل هناك حقا اطعمة تذيب حصى المرارة؟
ما هي الاضطرابات التي تسببها المخدرات لوظائف الكبد
يمكن أن تسبب المخدرات اضطرابات مختلفة في وظائف الكبد، وذلك حسب النوع والكمية من الدواء. بعض هذه الاضطرابات هي:
- ارتفاع إنزيمات الكبد: يمكن أن تسبب الأدوية ارتفاعًا طفيفًا في إنزيمات الكبد دون أي أعراض. يحدث ذلك عندما تتسرب الإنزيمات من الخلايا إلى الدم. يمكن اكتشاف ارتفاع إنزيمات الكبد من خلال اختبار الدم.
- التهاب الكبد: يمكن أن تسبب الأدوية التهابًا وموتًا في خلايا الكبد. يمكن أن يكون التهاب الكبد حادًا أو مزمنًا، حسب المدة التي يستمر فيها. يستمر التهاب الكبد المزمن لمدة 3 أشهر على الأقل. التهاب الكبد الحاد الناجم عن الأدوية أكثر شيوعًا من التهاب الكبد المزمن. تتضمن أعراض التهاب الكبد فقدان الشهية، الغثيان، القيء، التعب، الحمى، ألم البطن، البول الداكن، واليرقان.
- فشل الكبد: يمكن أن تسبب الأدوية فشل الكبد الحاد أو التهاب الكبد الشديد، وهو حالة تهدد الحياة. يحدث عندما يتم تدمير كمية كبيرة من نسيج الكبد بواسطة الأدوية ولا يمكن للكبد أن يعمل بشكل صحيح. يمكن أن يسبب الارتباك، الغيبوبة، النزف، والموت. حوالي 40-70% من الأشخاص المصابين بالتهاب الكبد الشديد يموتون.
- الكبد الدهني: الكحول هو السبب الأكثر شيوعًا للكبد الدهني، وهو حالة يتراكم فيها الدهون في خلايا الكبد. قد لا يكون لدى الأشخاص المصابين بالكبد الدهني أعراض أو تكون الأعراض طفيفة فقط. قد يكون لديهم ضغط دم مرتفع وكبد متضخم. يمكن أن يتطور الكبد الدهني إلى تليف الكبد أو فشل الكبد.
- التليف الكبدي: التليف الكبدي هو حالة يتم فيها استبدال النسيج الكبدي الصحي بنسيج ندبي. يحدث نتيجة للالتهاب المزمن أو انسداد القناة الصفراوية. يعوق التليف الكبدي القدرة على أداء وظائفه. التليف الكبدي هو واحد من أخطر الاضطرابات الناجمة عن الأدوية والكحول. تشكيل الندب جزء من عملية الشفاء المرتبطة بتلف خلايا الكبد. يؤدي التندب الشديد في الكبد إلى التليف.
- تجلط الوريد الكبدي: يصل الدم من الأمعاء إلى الكبد عبر الوريد البابي، ويغادر الدم الكبد إلى القلب عبر الأوردة الكبدية إلى الوريد الجيبي السفلي (وريد كبير يفرغ في القلب). يمكن لبعض الأدوية أن تسبب تجلطات الدم في الأوردة الكبدية أو داخل الوريد الجيبي السفلي، مما يسبب ألم شديد وتراكم السوائل في البطن، وفشل الكبد.

أثر المخدرات طويل الأمد على الكبد
الكبد هو عضو حيوي يؤدي العديد من الوظائف، مثل تصفية السموم، وإنتاج الصفراء، وتنظيم الأيض. ولكن، عندما يستخدم الشخص المخدرات غير المشروعة، يعرض كبده لمواد ضارة يمكن أن تضر خلاياه وأنسجته. مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الالتهاب المزمن وتندب الكبد، المعروف بالتليف.
يمكن أن يعوق التليف قدرة الكبد على العمل بشكل صحيح ويزيد من خطر الإصابة بمضاعفات مثل النزيف، العدوى، وسرطان الكبد. أحد العواقب الشائعة الأخرى لاستخدام المخدرات غير المشروعة على الكبد هو التهاب الكبد، وهو عدوى أو التهاب في الكبد بسبب الفيروسات أو البكتيريا، وهذا ينتقل بسبب ضعف المناعة او طريقة الاعطاء غير القانونية.
يمكن أن يسبب التهاب الكبد أعراضًا مثل اليرقان، التعب، الغثيان، وألم البطن. يمكن أن يصبح بعض أنواع التهاب الكبد مزمنًا ويسبب تلفًا خطيرًا في الكبد.
استراتيجيات علاج الكبد من ادمان المخدرات
من اهم استراتيجيات العلاج هو محاولة عكس او على الاقل ادارة تلف الكبد الناجم عن الأدوية. الخطوة الأولى في علاج تلف الكبد الناجم عن الأدوية هو التوقف عن استخدام المخدرات غير المشروعة والبحث عن المساعدة المهنية للإدمان. هذا يمكن أن يمنع المزيد من الضرر للكبد ويسمح له بالشفاء. حسب نوع وشدة تلف الكبد، قد تكون هناك خيارات علاج مختلفة متاحة. على سبيل المثال:
- يمكن علاج بعض الحالات من التهاب الكبد بأدوية مضادة للفيروسات يمكن أن تقضي على العدوى وتقلل الالتهاب.
- يمكن علاج بعض الحالات من التليف بأدوية يمكن أن تبطئ تقدم التندب وتحسن وظيفة الكبد.
- في بعض الحالات، قد يكون زراعة الكبد ضرورية إذا كان الكبد متضرراً لدرجة عدم قدرته على العمل.
الوقاية من أثر المخدرات على الكبد
بدلًا من سؤال ما هي الاضطرابات التي تسببها المخدرات لوظائف الكبد فأفضل طريقة لحماية الكبد من استخدام المخدرات غير المشروعة هي تجنب استخدام المخدرات في المقام الأول. ومع ذلك، إذا اختار الشخص استخدام المخدرات، يجب أن يكون على علم بالمخاطر ويتخذ خطوات لتقليلها. على سبيل المثال، يجب عليهم تجنب مشاركة الإبر أو أدوات الإدمان الأخرى التي يمكن أن تنقل فيروسات التهاب الكبد أو البكتيريا.
يجب عليهم أيضا تقليل استهلاكهم للكحول، حيث يمكن أن يسوء الكحول تلف الكبد الناجم عن المخدرات. يجب عليهم أيضا الخضوع للفحص بانتظام للتهاب الكبد والعدوى الأخرى التي يمكن أن تؤثر على الكبد.
كذلك أيضا البحث عن المساعدة إذا لاحظوا أي علامات أو أعراض لمشاكل في الكبد، مثل اصفرار الجلد أو العينين، أو بول داكن، أو تورم في البطن.
ماهي الاضطرابات التي تسببها المخدرات لوظائف الدماغ
المخدرات تعمل عادة على التلاعب بكيمياء الدماغ، مما يسبب تأثيرات نفسية وعصبية قوية. فالمخدرات يمكن أن تغير كيف يتفاعل الدماغ مع الأفكار والمشاعر والأحداث الخارجية، كما يمكن أن تغير كيفية تفكير الشخص واتخاذ القرارات.
على سبيل المثال، المخدرات مثل الكوكايين والميثامفيتامين تعمل على زيادة نشاط الدوبامين في الدماغ، وهو الناقل العصبي المرتبط بالمتعة والنشاط. الزيادة الكبيرة في نشاط الدوبامين تسبب ارتفاعًا مؤقتًا في مستويات الطاقة والسعادة، ولكنها قد تسبب أيضًا تأثيرات طويلة الأمد على وظائف الدماغ، مثل الادمان وقد يؤدي إلى اضطرابات نفسية أخرى مثل الذهان والاكتئاب.
أما المخدرات المهدئة مثل البنزوديازيبينات والأفيونيات، فتعمل على تقليل نشاط بعض أجزاء الدماغ، مما يمكن أن يؤدي إلى الهدوء والاسترخاء المفرط. ومع ذلك، يمكن أن يتسبب الاستخدام المفرط في هذه المخدرات في تأثيرات سلبية طويلة الأمد مثل النسيان والقلق والاكتئاب.
ما هي الاضطرابات التي تسببها المخدرات لوظائف التنفس
أثر المخدرات على وظائف التنفس يعتمد بشكل كبير على نوع المخدرات المستخدمة. البعض منها يمكن أن يكون له تأثيرات خطيرة على النظام التنفسي.
- الأفيونيات: المخدرات من هذه الفئة تشمل الهيروين والأفيون والفنتانيل والأدوية الأفيونية الأخرى. هذه الأدوية تعمل على تقليل تأثير الجهاز العصبي المركزي، وهو ما يمكن أن يسبب تباطؤًا أو توقفًا في التنفس، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في حالات الجرعة الزائدة.
- الكوكايين: يمكن أن يؤدي استنشاق الكوكايين إلى التهاب الأنف والجيوب الأنفية والرئتين، والتي يمكن أن تسبب صعوبة في التنفس. الاستخدام الطويل الأمد للكوكايين يمكن أن يؤدي أيضًا إلى “الأنف الكوكاييني”، وهو حالة تتميز بتلف الأنسجة داخل الأنف والتي قد تؤدي إلى صعوبة في التنفس.
- الكانابيس (الماريجوانا): الدخان الناتج عن تدخين الماريجوانا يمكن أن يتسبب في التهاب وتضرر الرئتين، مما يمكن أن يؤدي إلى صعوبة في التنفس وزيادة خطر الإصابة بالعدوى الرئوية.
- البنزوديازيبينات: هذه الأدوية التي تشمل الفاليوم والإكساناكس تعمل على تبطئة وظائف الجهاز العصبي المركزي، بما في ذلك التنفس. في حالات الجرعة الزائدة، قد يؤدي الاستخدام المفرط للبنزوديازيبينات إلى التنفس الضحل أو التوقف التام عن التنفس.