في الاسبوع الماضي، كنتُ متحمّسا لمباراة نادال – جوكوفيتش، تلك المواجهة التي تعد بالكثير دائما، ولأكونَ صريحا، كنت أتوّقع خسارة لاعبي، نادال. بل حتّى هو كان يعتقد ذلك، ليس لأنه عاجز أمام نوفاك الى هذه الدرجة، بل لظروف المباراة.
نادال سافر من بيرث الى سيدني ليلعب ربع النهائي أمام بلجيكا، كان هناك فارق 3 ساعات بين المدينتين والأجواء تبدو جديدة، خسر مباراته في الفردي، ولأنّه غيور، أراد التعويض فلعب مباراة الزوجي الفاصلة، أنتصر بها مع صاحبه كارينو في المجموعة الفاصلة.
اليوم التالي، نادال يواجه منوار الاسترالي في نصف النهائي، رافا لم يخسر مجموعة من هذا اللاعب في مواجهتين سابقتين، لكن في المباراة رافا كان يتلقى الضربات تلو الأخرى، كان عاجزا عن تغيير النتيجة، خسر الأولى 6-4 وكان يعاني في الثانية، كان يتجه للخسارة جديدة، لكن نقص الخبرة جعلت منوار يخسر شوطا هاما، لينقضّ عليه رافا بمعنوياته العالية.
بعد المباراة، صرّح رافا أنّه لم ينم حتى الساعة 5:26 دقيقة صباحا بعد مباراة بلجيكا لانها انتهت بشكل متأخر وتبعه عشاء ومؤتمر اعلامي، شُوهد رافا يستعد لمباراته القادمة عند الساعة 11 صباحا من اليوم التالي ليتحضّر عصرا لمواجهة منوار.
في اليوم التالي حصل نفس السيناريو، لكنّ هذه المرة في النهائي امام نوفاك جوكوفيتش، تلقى ضربات قوية في المجموعة الاولى ولم يرد، حاول قليلا في الثانية، لكن نوفاك ليس منوار، لم يخسر ذلك الشوط الذي راهنَ عليه رافا، ليُهزم بمجموعتين دون رد.
رافائيل كان يكرّر دائما في مؤتمراته الصحفية أن مستوى الطاقة الذي يملكه قليل. كان يذكر التوقيت المتأخر الذي خلد فيه للنوم، كان يعرف سبب اداءه السيء دائما.
هناك انواع من الذاكرة في ادمغتنا لا تختص بتذكّر الكلمات او الكتب، منها الذاكرة العضلية، عندما تعلّمت قيادة الدراجة الهوائية لأول مرّة، لم يطلب منك والداك حفظ عدّة صفحات عن طريقة القيادة، لم يكن لينفع، الطريقة الوحيدة للتعلّم كانت ان تجرّب بنفسك، أن تقع مرّة ومرّات. عندها ستتعلم هذه المهارة، ستتوافق عضلاتك لقيادة الدراجة.
مصطلح الذاكرة العضلية هو بالحقيقة مُضلّل، فالعضلات لا تملك ذاكرة، الذاكرة في الدماغ، والعضلات مرتبطة بالدماغ، فكلّما درّبتها أصبحت تنفذّ المهام بكفاءة اعلى.
في دراسة أُجريت عام 2002 بعنوان “التدريب مع النوم يصنع الكمال” قام ماثيو والكر بتعليم مهارة معيّنة لعدد من المشاركين، علّم بعضهم المهارة عند العاشرة صباحا ثم أختبره مجددا عند العاشرة مساءً فلم يجد أي تقدّم ملحوظ، ثم أختبره مجددا بعد نوم 8 ساعات كاملة فوجد زيادة تصل 20% في السرعة و35% بالدقة، نفس الزيادة حصلت مع مشاركين تعلّموا المهارة عند 10 مساءً ثم عاد اختبارهم في الصباح التالي، بل هؤلاء (المجموعة التي نامت مباشرة بعد التعلّم) لم يظهروا اي زيادة تُذكر بعد 12 ساعة من الاستيقاظ.
الدماغ يستمر بتطوير المهارات رغم غياب التدريبات الاضافية، التدريّب لا يصنع الكمال، التدريب الذي يتبعه نوم ليلة كاملة يصنعه.
عند اخضاع الدماغ الى الفحص بعد النوم لفهم التغيّر الذي حصل والذي ساعد على تطوير المهارة، نجد ان تعامل الدماغ مع هذه الذكريات يختلف مثلا عن الذكريات الدراسية، فالاخيرة يتم نقلها من الذاكرة القصيرة الى الطويلة الأمد، أما هنا، فيتم نقلها الى دوائر تحتاج الى مستويات أقل من الادراك، لا وعي، هذا ما يجعل الحركات أقرب للطبيعية، لا تحتاج جهدا كبيرا، وتصيب هدفها بدقّة.
وبالاعتماد على الاحصائيات التي حصل عليها في المختبر، إكتشف ماثيو ان اكثر فترة نوم ساعدت المهارة بالتطور هي فترة أخر ساعتين من الثمانية التي ننامها يوميًا، لا أشك إن رافائيل نادال قد قطعَ هذه الفترة سعيا منه للحاق التدريبات صباح اليوم التالي.
ليس رافائيل وحده، أخر ساعتين من النوم هي الفترة التي نشعر فيها كلنا انها يُمكن اهمالها، خصوصا مع نمط حياة سريع يُطالبك بالاستيقاظ عند السابعة صباحا على أقل تقدير.
الذاكرة العضلية تتطور بالنوم، خصوصا في الساعتين الاخيرتين منه -أتحدث عن 8 ساعات كاملة- هي تُساعد الدقة والسرعة، تلك اللمسات البسيطة التي يحتاجها لاعب التنس مثلا، رافائيل نادال ارتكب 25 خطأً امام منوار ذلك اليوم
روجر فيدرر يدّعي أنه ينام أكثر من 10 ساعات يوميا، ولا غرو في هذا، فاسلوب لعبه يحتاج الى الدقّة. حتى نوفاك جوكوفيتش، مُرعبنا ومدوّخنا، اوضح في كتابه المنشور عام 2013 أنه ينام 8 ساعات كاملة، من 11 مساءً الى 7 صباحا.
يوسن بولت، عدّاء الـ100 متر كان مُعودا على أخذ قيلولة قبل ساعات من سباقاته التي حصل فيها على الميدالية الذهبية، والدراسات تدعم حكمته في هذا، حتى النوم لفترات كافية ظهرا يملك تاثيرا جيدا على الذاكرة العضلية، مع الحفاظ على الطاقة وتقليل الارهاق.
دراسات عديدة في السنوات الاخيرة توّضح تاثير النوم الايجابي على الناشئة، الهواة، والمحترفين في رياضات عديدة كالتنس وكرة القدم وكرة السلة، حتى ان اهم لجنة رياضية عالمية، اللجنة الاولمبية قد نشرت في 2015 مقالا يوضح الاهمية الكبيرة للنوم للرياضيين لمختلف الجنسين.
يدعم ماثيو هذه الادلة بدراسات تصل لـ 750 دراسة علمية بيّنت الصلة بين النوم والاداء، معظم هذه الدراسات اجريت على رياضيين محترفين، والخلاصة، احصل على اقل من 8 ساعات نوم، وخصوصا اقل من 6، وسيحصل الآتي: سياتي الارهاق العضلي أبكر بـ 10-30%، الجهد التنفسي سيقل بشكل ملحوظ، طول القفزة، قوّة العضلة ستقل بفعل زيادة ملحوظة في تراكم حامض اللاكتيك، أضف لذلك تاثيرات سلبية على القلب والاوعية الدموية، والفعاليات الهضمية، وحتّى الجهاز التنفسي لم يسلم من هذه التاثيرات، فكريات الدم لا تتشبع بالاوكسجين، وتزداد معدلات CO2، حتى الطريقة التي يستخدمها الجسم في تخفيض حراراته اثناء الجهد العضلي، التعرّق، سيتاثر بدرجة كبيرة عند نقص النوم.
المصادر
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/12123620
Why We Sleep Book by Matthew Walker